د/عادل أحمد العماد 

استشاري طب مجتمع 

متخصص في الإدارة الصحية و التأمين الصحي

لاشك أن لكل نوع من أنواع التأمين الصحي مزاياه الخاصة به ولكل نوع عيوبه ومحاذيره واشتراطاته اللازمة لنجاحه، ومع ذلك فإن تطبيق أي نوع من أنواع التأمين الصحي خير من الغياب التام للتأمين، لأن البديل عن التأمين هو الدفع المباشر والذي يسبب مواجهة محدودي الدخل لمشاكل الكلف العالية للخدمات الصحية، وإذا كانت الحاجة للتأمين الصحي أصبحت من الأمور المسلم بها حتى في أوساط غير المختصين، فإنه من المهم معرفة مختلف أنواع التأمين الصحي المطبقة في أنحاء العالم وخصائص كل نوع حتى يتسنى لنا استنباط الآلية الأكثر مناسبة لمجتمعنا اليمني، ويمكن تلخيص أنوع التأمين الصحي في ما يلي:-

v أنظمة التأمين الصحي الشمولية: 

وهي الأنظمة التي تعتمد على دفع تكاليف نفقات المعالجة من خلال الضرائب العامة التي تجمعها الدول من المواطنين، ولا تعتمد المساهمة في هذه الأنظمة على مدى استغلال الخدمات الصحية إنما على الآليات المتبعة لجمع الضرائب، وقد تحقق هذه الأنظمة بعض العدالة إذا كانت الضرائب تجمع بشكل تصاعدي، بحيث تكون الضرائب معتمده على مستوى الدخل وعلى الأصول والعقارات والأراضي، بحيث يمكن للفقير أن يستفيد من الضرائب العالية التي يدفعها الغني، بينما في المقابل عند الاعتماد على ضرائب أخرى مثل ضريبة مبيعات السلع الأساسية وضرائب الخدمات فإنها تضر الفقراء ولا تؤثر على الأغنياء.

وإذا كانت أبرز ميزه في هذه الأنظمة شمول جميع المواطنين في محفظة خطر واحدة نتيجة لإلزامية دفع الضرائب حتى نظرياً، ولكن الملاحظ عملياً في الدول النامية أن الضرائب تقع أعباءها على متوسطي ومحدودي الدخل بينما تقدم الخدمات للمقتدرين، وتبقى المشكلة الرئيسية لهذه الأنظمة أنه غالباً ما يرافقها تدني لمستوى الخدمات الصحية المقدمة وتدني الفاعلية وذلك ناتج عن أسباب اقتصادية (مثل التضخم و تحول الموظفين إلى الوظائف غير الحكومية و ضعف أنظمة الضرائب)، مما يجعل الضرائب المجموعة من العاملين في كثير من الدول محدودة، فضلاً على التضاؤل المستمر لدخل بعض الحكومات مما يؤدي إلى عجز هذه الدول عن تحمل نفقات الخدمات الصحية وبالتالي ظهور أنظمة صحية شبه خاصة تتصف بتدني الجودة والفاعلية، كما يؤدي أيضاً إلى تفشي الدفع غير النظامي والذي يعتبر نتيجة طبيعية لانخفاض الميزانية المخصصة للمعالجة وتدني مستوى الدخل لدى مقدمي الخدمات الصحية، الأمر الذي يدفع المستفيدين من الخدمات الصحية للجوء للدفع غير النظامي للحصول على مستوى أفضل من الخدمات، لذلك يعتبر الدفع غير النظامي من المظاهر المرافقة للأنظمة الصحية إلتي لا يتوفر لها تمويل كافي ولا إدارة مناسبة.

v التأمين الصحي الاجتماعي: 

ظهر هذا النوع من التأمين الصحي في أوروبا أواخر القرن التاسع عشر، واتسع خلال ثلاثينات القرن العشرين في أمريكا اللاتينية، وظهر منذ التسعينات في أوروبا الشرقية في ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي، كما ظهر أيضاً في بعض الدول النامية، لكنه غالباً ما يغطي الموظفين الحكوميين وأولئك الذين يتبعون لأعمال نظامية، كونه يعتمد عادةً على العضوية الإجبارية لمجاميع محدودة من خلال المساهمة بجزء من الراتب للحصول على منافع محدودة، وغالباً ما يكون هذا النوع جزءاً من نظام اجتماعي أشمل مثل نظام التأمينات الاجتماعية والتقاعد وغيرها، ومع ذلك ينصح دائماً بأن يكون التأمين الصحي الاجتماعي ذا ميزانية وإدارة مستقلة لأن أي نوع آخر من التأمينات يرفق مع التأمين الصحي غالباً ما يؤثر عليه سلباً بأن يتم صرف المبالغ المجموعة للتأمين المضاف على حساب التأمين الصحي، بل إن كثيراً من أنظمة التأمين الصحي الاجتماعي لا يمكنها أن تستمر دون دعم إضافي من الحكومات.

وتكون فرصة نجاح هذا النوع من التأمين أكبر عندما يعتمد على أنظمة ضريبية شمولية سابقة، ويسهل انتشاره في الدول ذات مستوى الدخل العالي، حيث نجد على سبيل المثال أن مستوى الانتشار في تايلاند بلغ 13% خلال عقد من الزمن بينما بلغت اندنوسيا نفس معدل الانتشار بعد ثلاثة عقود لأن مستوى الدخل في تايلاند ثلاثة أضعاف الدخل في اندنوسيا، وكذلك في الأرجنتين نجد معدل انتشار التأمين الصحي الاجتماعي أكثر من ضعف المعدل في المكسيك مع أنه بدأ تطبيقه في كليهما قبل حوالي ثمانية عقود وذلك لأن مستوى الدخل في الأرجنتين الذي يبلغ ثمانية ألف دولار للفرد سنوياً حوالي ضعف مستوى الدخل في المكسيك الذي لا يتجاوز أربعة ألف دولار للفرد سنوياً، كما أن فرصة نجاح هذا التأمين تكون أكبر أيضاً في البلدان الصناعية التي يندرج فيها معظم العاملين ضمن مؤسسات وشركات ومصانع ومعامل (حكومية وخاصة)، والتي يكون سكانها مكثفين في مناطق محدودة، بحيث يسهل إيصال الخدمات الصحية لها لاسيما مع احتواءها على أنظمة إدارية محكمة.

وفي المقابل نجد أن الوضع يختلف تماماً عند محاولة تطبيق نظام التأمين الصحي الاجتماعي في البلدان الزراعية التي يكثر فيها العاملون غير الرسمين (الذين يصعب جمع المساهمات منهم)، والتي ينتشر فيها السكان في مناطق متناثرة، ويزداد الأمر صعوبةً إذا كانت تشكو من الضعف الإداري ومستوى الدخول فيها متدني حيث يصعب في بلدان كهذه أن يتم تغطيتها بشكل جيد، لذلك نجد أن عدداً من الدول كانت تعتقد أن التأمين الصحي الاجتماعي سوف يحل مشاكلها لكن نتائجه خيبت الآمال، ولهذا كان من الطبيعي أن نجد بعض بلدان أمريكا اللاتينية بدأت هذا النوع من التأمين منذ ثلاثينيات القرن الماضي ولازالت التغطية التأمينية منخفضة كما في بوليفيا والبارجواي والسلفادور (نسبة التغطية بين 11-18% )، لأن مستوى دخل الفرد لا يتجاوز 1500 دولار سنوياً (مع أن هذا الدخل يعتبر أضعاف مستوى الدخل السنوي في عدد من الدول العربية).

ولمحاولة زيادة فعالية هذا النوع من التأمين ينصح بأن يتم إدارته عبر هيئة مستقلة يتكون مجلسها من الحكومة وممثلين عن المجتمع وممثلين عن مقدمي الخدمات الصحية (العامة والخاصة)، بحيث يفترض أن هذه الهيئة ستصبح مسؤولة عن جمع المخصصات الصحية وتوزيعها على مقدمي الخدمة، إضافة إلى تقييم كفاءة مقدمي الخدمة، بينما يتبقى دور وزارة الصحة محصوراً في وضع السياسات وتخطيط وإدارة البرامج الوطنية وتسعير وترخيص الخدمات الصحية المقدمة.

v التأمين الصحي المجتمعي (الاختياري): 

يختلف هذا النوع من التأمين عن التأمين الصحي الاجتماعي أن التأمين المجتمعي اختياري وبالتالي فاستعماله يكون على مستوى محدود، ويستهدف العمال والمزارعين وأصحاب الأعمال الحرة لذا يمكن استخدامه لمن لم تشملهم أنواع التأمين الأخرى، ومن الصعب وضع هذا النوع من التأمين في نمط محدد لوجود تفاوت واختلاف من حيث نشأته وتطبيقه من بلد لآخر، بل ويختلف في نفس البلد من منطقة لأخرى كما في فيتنام وتايلاند، ومن أهم تبايناته الاختلاف في المنافع التي تقدمها هذه البرامج التأمينية ففي الوقت الذي نجد برامج تهتم بالحالات الأكثر كلفة، قليلة الحدوث، (مثل الإدخال إلى المستشفيات)، بهدف حماية المرضى من الكلف العالية، نجد برامج أخرى تهتم بالحالات كثيرة الحدوث قليلة الكلفة (مثل زيارة المراكز الصحية)، بهدف رفع مستوى الخدمات الصحية المقدمة، وهذه عادة تستعمل على مستوى القرى.

وتعتمد الأنظمة التأمينية المجتمعية على أقساط تدفعها الأسر، ولهذا فهي تستهدف المناطق الريفية متوسطة الدخل وليس المناطق الأكثر فقراً، لأن الأقساط حينها ستعجز عن دفع كلف المنافع لمحدوديتها، ولمواجهة ذلك أصبح من الشائع في هذه الأنظمة أن يغطي التأمين المجتمعي جزءاً من كلفة الخدمات، بينما يتم تغطية بقية الكلفة من خلال دعم المانحين وتعاون منظمات المجتمع المدني ومن نسبة المشاركة التي يدفعها المرضى، كما يقوم بعض القرويون بالمساعدة في بناء العيادات لتقليل الكلف اللازمة للبنية التحتية.

ويمكن زيادة فرصة نجاح هذه الأنظمة التأمينية بأن تكون جزءاً من برنامج تنموي أوسع، إضافة إلى إعادة تنظيم الخدمات الصحية في المناطق، والحد من سوء استخدام الخدمات، والتنسيق بين البرامج المحلية المختلفة لتستفيد من بعضها في التصميم والتدريب ونظم المعلومات كما حدث في الفلبين، كما أنه من المهم جداً شمول المجتمع في تصميم البرامج التأمينية من مراحلها الأولى وصياغتها بأسلوب يجعلها بمتناول المجتمع فإن ذلك يرفع من درجة اهتمام المجتمع ويشجعهم على الاشتراك.

ومع محدودية توزيع الخطر في هذا النوع من التأمين كونه ينحصر في مناطق محدودة ولكن عند مقارنته بالدفع المباشر أو الدفع غير النظامي فإن التأمين المجتمعي يبقى أفضل لتوزيعه للخطر بين مجموعة محدودة، ومع صعوبة تغطيته لخدمات صحية كاملة (حيث يحوي دائماً على استثناءات وأسقف محددة) ولكن غالباً ما تتحسن الخدمات مع الوقت، لاسيما إذا تم تصميم المنافع بشكل جذاب وسهل المنال بحيث يراعي التوازن بين الأولوية والحاجة والقابلية للتنفيذ.

(مقالة نشرة في مجلة الصحة والسكان في العدد الثامن ديسمبر 2005 في الصفحتين 44-45)