(مقالة نشرت في جريدة 14أكتوبر في العدد 13126 الإثنين الموافق 1 أغسطس 2005)

قضية التأمين الصحي في بلادنا لم تحظ حتى الآن باهتمام كاف من قبل الجهات ذات العلاقة وهذا يتجلى في عدم وجود هذا النشاط لدينا كما هو معمول به في أكثر من (150) دولة على مستوى العالم ويرجع ذلك إلى عدة عوامل حاولنا معرفتها من خلال اللقاء الذي أجريناه مع الأستاذ الدكتور عادل أحمد يحيى العماد استشاري طب المجتمع والذي أوضح مفهوم نظام التأمين الصحي وأهميته وأهدافه والدور الذي يضطلع به في خدمة المؤمن عليهم وغيرها من الموضوعات المتمعلقة بظروف شركات التأمين عن القيام بالتأمين الصحي وكذلك حول التشريع القانوني الخاص به والصعوبات التي تعترض هذا النشاط وغيرها من القضايا والحصيلة في هذا اللقاء في التالي:

دكتور عادل .. باعتبار أن تجربة التأمين الصحي جديدة على البلاد هل يمكننا من خلالكم إطلاع القراء على مفهوم التأمين الصحي؟
نشكر صحيفة 14 أكتوبر والقائمين عليها من رئاسة وهيئة التحرير لاهتمامهم بمثل هذا الموضوع المهم ورداً على السؤال نود التوضيح بأن التأمين الصحي عبارة عن اتفاق بين طرفين يتحمل فيه الطرف الأول النفقات المترتبة على الخدمات العلاجية المقدمة للطرف الثاني (فرداً كان أو جماعة)، مقابل مبلغ محدد يتم دفعة جملة واحدة أو على هيئة أقساط، ويقوم التأمين الصحي أساساً على مفهوم توزيع الخطر المتوقع الذي قد يواجهه الفرد، مما يؤدي إلى تخفيف الأعباء والتكاليف المترتبة عند معالجة الحالات المرضية الطارئة أو العادية التي يتعرض لها المؤمن عليهم وهو بذلك يعد نظاماً اجتماعياً يقوم على التعاون والتكافل بين الأفراد لتحمل ما يعجز عن تحمله أحدهم بمفرده وشركات التأمين تنظم الاستفادة من توزيع الخطر لقاء أجر معلوم.

وما هي الأهداف الأساسية من عملية التأمين الصحي؟

في الحقيقة يهدف التأمين الصحي إلى إزالة العائق المالي بين المريض وحصوله على الخدمات الطبية، وتوفيرها للمواطن متكاملة وبجودة عالية وكلفة مقبولة، وتحسين مستوى الخدمات الطبية المقدمة من خلال توفير مصادر مالية ثابتة ومستمرة، والحث على مزيد من التنويع والمنافسة في تقديم الخدمات الطبية، ورفع مستوى الرضا الوظيفي والاطمئنان الاجتماعي لدى الفرد.

وماذا عن أهمية التأمين الصحي؟

التأمين الصحي تزيد الحاجة إليه مع تزايد كلفة الرعاية الصحية، خصوصاً مع تزايد الضغوط الاقتصادية على المجتمعات وعلى الأفراد على حد سواء مما حدا بأكثر من 150 دولة إلى تطبيق نظام التأمين الصحي في بلدانها، وذلك عندما أصبح من غير الممكن –عملياً– توفير الخدمات العلاجية المجانية، ودعا ذلك إلى إيجاد آلية تضمن الحصول على الخدمة مع محدودية القدرة، وبالتالي كان لابد من مواجهة الأعباء المتزايدة بالتعاون بين الحكومة وأرباب العمل والموظفين, ولأن الواقع يتجه إلى تحميل المسئولية المالية على الأفراد فيبقى التساؤل كيف يمكن تحقيق ذلك إذا لم تتوفر لدى الأفراد المقدرة المالية لهذه الرعاية, بسبب ذلك كان توجه الدول إلى نظام التأمين الصحي للتخفيف من الأعباء الملقاة على الحكومات فقاموا بتقديم هذه الخدمات من خلال شركات التأمين ويوج تنام متزايد في معدلات الإنفاق الصحي (عبر التأمين الصحي الخاص) في معظم دول العالم المتقدم حيث يصل إلى 5% سنوياً في كل من أمريكا وبريطانيا واليابان, وقد أثبتت التجارب العلمية لبعض البلدان (مثل دول الخليج) أن العناية الطبية المجانية تحتوي على سوء استعمال وإسراف في استخدام المرافق الطبية والمعدات والأدوية, مما يمثل ضغطاً على ميزانيات الدول حتى أن بعض مسئولي قطاع العناية الطبية في دول مجلس التعاون أشاروا إلى ظاهرة اتخاذ بعض السيدات من العيادات الخاصة أمكنة للاجتماع والالتقاء مع الصديقات بقصد تبادل الحديث وكمبرر للخروج من المنزل ولإثبات وجودهن في العيادات يحملن معهن ما أمكن من الأدوية لهن ولأولادهن وبالطبع لا يستعملن تلك الأدوية, أما مع تغيير الأوضاع الاقتصادية فقد أصبح من الصعب المحافظة على مجانية الخدمات الصحية العلاجية, حتى أن معظم دول الخليج بدأت تتقاضى رسوماً مقابل الخدمات الطبية التي تقدمها وخصوصاً من المغتربين وبدأت بانتهاج مبدأ التأمين الصحي وبلغت الأقساط التأمينية فيها مئات الملايين من الدولارات.

هل يمكننا التعرف على الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للتأمين الصحي؟

تتمثل الأهمية الاقتصادية للتأمين الصحي في أن صحة الإنسان وهي العامل الأساسي لكل قدراته الإنتاجية والقدرة على تحمل أعباء الرعاية الصحية تعتمد على ما يتيحه الاقتصاد الوطني من إمكانيات واعتمادات بتنمية الموارد والطاقات في قطاع الصحة والدواء, وأصبح الاهتمام بصحة المواطن أولوية قصوى ليس لاعتبارات إنسانية أو اجتماعية فحسب بل لاعتبارات اقتصادية بحته, فهو من أساسيات التنمية البشرية وهدفاً من أهدافهاº لأن الاهتمام بالصحة يعتبر اهتماماً بالتنمية كما أصبح ينظر للاستثمار في القطاع الصحي بشكل سليم استثماراً في رأس المال البشري, وذلك نتيجة لما يسببه النمو الصحي من زيادة في إنتاجية رأس المال البشري وبالتالي من زيادة في معدل النمو الاقتصادي, والتقليل من الخسائر الناجمة عن مرض العمال وانقطاعهم عن العمل بسببه, بينما تكون أهميته الاجتماعية في التأكيد على حق الفرد في الحصول على الخدمات الصحية وتحقيق العدالة والمساواة وصولاً إلى الهدف الأساسي المتمثل في توفير الصحة للجميع, وتعميق مبدأ المشاركة بين الدولة والمواطن وبين صاحب العمل والموظف وبين الموظفين أنفسهم, وبالتالي إيجاد اطمئنان اجتماعي, ومن دون التأمين الصحي لن يتمكن من دفع تكاليف المعالجة الباهظة وخصوصاً العمليات الجراحية الكبرى, سوى عدد قليل من الأفراد القادرين على الدفع, وبالتالي فإن التأمين الصحي بما فيه من آلية تكافلية تمكن الأفراد من تلقي الخدمات اللازمة ذات الكلفة العالية بمبالغ معقولة, كما يساعد التأمين الصحي أصحاب العمل على أداء التزامهم الأدبي والقانوني في معظم دول العالم تجاه العاملين لديهم, والتأمين الصحي يقدم مقابل قسط معلوم مسبقاً يمكن الفرد أو المؤسسة تجنب خسائر محتملة تؤدي لأثار اقتصادية واجتماعية وخيمة وبالتالي فمن الأهمية وجود قسط معلوم يمكن احتسابه ووضعه ضمن الميزانية المرصودة مسبقاً, وبالتالي فإن التأمين إحدى الطرق الأكثر فعالية غي التعامل مع الأخطار.

من وجهة نظركم ما هي الأسباب التي أدت إلى زيادة كلفة الرعاية الصحية؟

في الحقيقة الأسباب المؤدية إلى تزايد كلفة الرعاية الصحية هي زيادة حجم الاستثمارات الاقتصادية في الرعاية الصحية وخصوصاً المستشفيات الكبرى وظهور التقنيات الحديثة وتطور التكنولوجية الطبية والذي ينعكس على أجور الخدمات الصحية، وإجراء العمليات الجراحية الحديثة ذات الكلفة العالية، وزيادة كلفة الأدوية لتغطية نفقات تسويق عالية وكذلك نسب أرباح عالية، إضافة إلى قوانين الحماية والاحتكار للأدوية الجديدة وكل هذا على حساب الفاتورة الطبية، وزيادة الوعي الصحي وبالتالي زيادة الاهتمام بالحصول على الرعاية الصحية وزيادة العرض حيث أن الطلب على الخدمات الصحية يزيد بزيادة عرض هذه الخدمات بعكس الخدمات الأخرى التي يقل الطلب عليها بزيادة العرض، وزيادة معدلات الأعمار وما ينشأ عن ذلك من زيادة في الأنفاق على الأمراض المزمنة وأمراض الشيخوخة حيث أن كبار السن (فوق 65 سنة) غالباً ما يستهلكون خدمات صحية تصل ثلاثة أو أربعة أضعاف غير المسنين.

ما هو الدور الذي يضطلع به التأمين الصحي؟

يعتقد الخبراء والعقلاء أن الآلية الموضوعية المناسبة التي يمكنها التخفيف من حدة الآثار المترتبة على تدني المستوى الراهن للوضع الصحي في اليمن، من خلال توفير الخدمات الصحية باهظة الكلفة لمحدودي الدخل بسعر مناسب هي التأمين الصحي، حيث يمكن للمؤمن عليه الحصول على رعاية صحية ذات مستوى جيد اعتماداً على مبدأ التكافل الاجتماعي بحيث يتحمل المؤمن عليه من التكاليف حسب دخله ويعالج حسب حاجته أي أن التأمين الصحي آلية للمشاركة في تحمل المخاطر وحماية المؤمن علية من الأعباء المالية التي تدفع مقابل الرعاية الصحية عن طريق اشتراك الأفراد مجتمعين في تحمل تلك التكاليف.

متى بدأت الخطى باتجاه العمل بهذا النظام في بلادنا؟ وما هي التشريعات القانونية له؟

حقيقةً تضاعفت القناعة بأهمية التأمين الصحي في وقت مبكر وبدأت الخطوة العملية الأولى عام 91م بتشكيل لجنة مشتركة من وزارتي الصحة والتأمينات لوضع مسودة قانون للتأمين الصحي ونتيجة لخلاف نشأ بين الوزارتين لتحديد من سيدير هذا النظام مما أدى إلى إيقاف الموضوع تماماً ما يقارب عقداً من الزمن، وفي عام 2001م، تم إنشاء إدارة عامه للتأمين الصحي بوزارة الصحة العامة وتم استقدام خبير عبر منظمة الصحة العالمية والذي أوصى بضرورة البدء بالتأمين على موظفي الدولة كمرحلة أولى.
وفي العام نفسه تم الإطلاع على تجارب عدد من الدول مثل السودان وأرمينيا وغيرهما، وفي العام 2002م تم عقد ورشة عمل لمدة أربعة أيام برعاية الاتحاد الأوروبي، حضرها خبراء دوليين وكانت بعنوان (التأمين الصحي في الدول النامية واختيار نوع التأمين الصحي المناسب لليمن)، وبنهاية العام عقد لقاء تشاوري في مدينة تعز حضره المعنيون من الحكومة والمنظمات الدولية وأوصوا بسرعة البدء بالتأمين الصحي عام 2003م وبنهاية العام 2003م عقدت ندوة خاصة بالتأمين الصحي بالتعاون مع منظمة أوكسفام وقد أوصى الحاضرون في الدورة بضرورة البدء بالتأمين الصحي في اليمن.
وفي العام 2004م اجتمع مجلس الشورى وخصص جلستين في اجتماعه الثالث في دورة انعقاده الأولى من العام 2004م وأوصوا بضرورة المصادقة على قانون التأمين الصحي وقرار إنشاء الهيئة شريطة البدء بشكل مرحلي وتدريجي والحكم على التجربة إيجاباً وسلباً وفق معايير وأسس علمية وعملية قادرة على تقييم الخدمات المقدمة من حيث النوعية لهذه الخدمات وحجمها ونطاق تغطيتها وفاعليتها ورأي المؤمن عليهم ومقدمي الخدمات الصحية على حد سواء، وفي العام 2005م أقرت اللجنة العليا للمناقصات دراسة جدوى لمشروع التأمين الصحي والذي ستقوم بها منظمة التعاون الدولي الألماني (جي .تي .زد) حيث يوجد حالياً مشروعا قانونين الأول لإنشاء هيئة التأمين الصحي، والآخر مشروع قانون للتأمين الصحي وعند مراجعة القانون الخاص بالتأمين الصحي نجد أنه حوى بعض الإيجابيات لكنه لم يفتقر إلى عددٍ من السلبيات