شهور قليلة تفصلنا عن صدور قانون التأمين الصحي الوطني، لوجود إجماع على أهمية خروج القانون إلى حيز الوجود، مهما حدث من خلاف حول آليات تطبيقه، ما بين من ينادون بإنشاء هيئة تأمين حكومية تجمع الاشتراكات من المؤمن عليهم وتعالجهم في المؤسسات الصحية المتعاقدة معها، وهذا التوجه تتبناه وزارة الصحة العامة والسكان، وتؤيدها بعض المنظمات الدولية – البعيدة عن الواقع اليمني-، وفي الاتجاه الآخر تنادي جهات عدة (حكومية ونقابية وخاصة) بأهمية وجود أنظمة تأمينية متنوعة وصناديق عديدة بحيث يحق لكل مؤسسة أن تختار الجهة التأمينية التي تريدها، الأمر الذي سيحفز للتنافس وبالتالي الابتكار والإبداع، ولكن، وبعيداً عن التعمق في تفاصيل الخلاف، نود هنا أن نتطرق إلى أثر تطبيق التأمين الصحي على ممارسة طب الأسنان، فنتساءل هل يوجد – كما يظن الكثيرون – عدم انسجام بين التأمين الصحي ومعالجة الأسنان؟ أم أن الأمر مختلف؟! وهل سيتناقص التوجه إلى عيادات الأسنان تحت مظلة التأمين الصحي أم أنه سيتزايد؟

قد يعجب الكثيرون عند تأكيدنا أن التأمين الصحي سيؤدي إلى زيادة كبيرة في التدفق، بل إن التأمين الصحي يعتبر في كثير من البلدان أحد مسببات تطور مهنة طب الأسنان، ويمكن لنا أن نلخص جوانب التأثير الإيجابي للتأمين الصحي في العوامل التالية:-

  1. أدخلت شركات التأمين الصحي أعمال طب الأسنان ضمن المنافع التي تقدمها، أو تعوض  كلفتها، سواء ضمن التامين الأساسي أو التأمين التكميلي.
  2. في الدول النامية التي تغيب فيها ثقافة الزيارة الدورية لأطباء الأسنان فإن المريض بحاجة لمحفزات إضافية أخرى، وبالتالي فإن مجانية – أو شبة مجانية – هذه الخدمات عبر التأمين الصحي يؤدي لزيادة تدفق المرضى على عيادات الأسنان.
  3. مع أن معظم أنواع التأمين الصحي لا تغطي سوى الخدمات السنية الأساسية (من خلع وحشو ومعالجة اللثة وما شابه)، فإن التأمين الصحي من خلال هذه الخدمات المشمولة قد قام بإيصال المريض إلى يد الطبيب، ومن السهل على الطبيب أن يقنع مريضه بأهمية استكمال المعالجة حتى لو لم تكن مشمولة وعلى نفقته الخاصة.
  4. لا يوجد خلاف بين القائمين على وضع ومناقشة وإقرار قانون التأمين الصحي على شمول الخدمات السنية الأساسية ضمن المنافع أياً كان مقدمو هذه المنافع، وذلك أسوة بقوانين ولوائح الدول العربية التي بدأت في تطبيق التأمين الصحي، حيث نجد على سبيل المثال في القانون الكويتي أنه ينص ضمن الخدمات المشمولة على (العلاج العادي للأسنان)، وفي الوثيقة الموحدة لنظام الضمان الصحي السعودي نصت ضمن المنافع على (معالجة أمراض الأسنان واللثة)، واستثنت التكاليف المتعلقة بزرع الأسنان أو تركيب الأسنان الاصطناعية أو الجسور النامية أو المتحركة أو التقويم.

ولكن، … وحتى مع الزيادة المتوقعة ضمن نظام التأمين الصحي، فعلى أطباء الأسنان الاستعداد للتنافس في رفع مستوى الخدمة المقدمة وخفض سعرها، لأن اختيار الأطباء المعالجين سيتدخل في تحديده طرف ثالث (الجهة المؤمنة) والتي لن تأبه كثيراً لمجرد السمعة المتراكمة للطبيب و أقدميته في الساحة الطبية، بقدر اهتمامها بمعايير مختلفة مثل اختصاصه الفرعي الدقيق، و الاهتمام بتفاصيل الخدمة المقدمة وأثرها على مستوى رضا المرضى، إضافة إلى كلفة الخدمة، وغير ذلك من المعايير، وغالباً ما ستمنح الأولوية للعيادات الجماعية (مراكز طب الأسنان) التي تحوي أطباء وطبيبات ذات اختصاصات عديدة مثل تخصص أمراض اللثة أو تخصص أسنان أطفال أو تخصص الجذور السنية وغيرها من الاختصاصات.

ونحن على يقين أن أطباء الأسنان اليمنيين قادرون على تطوير أنفسهم وتنويع اختصاصاتهم حتى ينعم المجتمع بأسنان صحية وجميلة.