أولاً : من حيث التسمية والتبعية

 

يفتقر مسمى قانون التأمين الصحي الاجتماعي إلى الدقّة والشمولية لأسباب عديدة منها أن هذا المسمى يجعل مستقبل التأمين الصحي في اليمن مرهوناً بمدى النجاح في تطبيق أحد أنواع التأمين الصحي, والذي سبق وأوردنا أن فرصة نجاحه في اليمن شبه منعدمة لأسباب يعرفها مختصو التأمين الصحي, وطالما أن الجميع متفقون على حتمية تطبيق التأمين الصحي كآلية لتفتيت الخطر الناتج عن نفقات الخدمات الصحية المتزايدة باطراد فكان المُراد من القانون أن ينظم جميع أنواع التأمين الصحي وبحيث يترك لها المجال للتنافس من حيث تقديم أفضل خدمة بأقل وسيكون الانتشار و الشيوع للأفضل.

كما أن عدم دقة التسمية ناتج عن عدم استهداف تغطية سائر أفراد المجتمع ككل وذلك لربط الغطاء التأميني بالاقتطاع من الراتب وبالتالي فإن الملايين من ذوي الأعمال غير المنتظمة وكذلك العاطلين وأسرهم لن يجدوا أي تغطية تأمينية وبالتالي فإن الهدف الاجتماعي الأساسي الذي لأجله تم استحداث هذا النوع من التأمين (في الدول الاشتراكية) لا ينطبق على الوضع لدينا.

ولإيضاح خلفية هذه التسمية فمن المهم الإشارة أن أول مشروع قرار جمهوري خاص بنظام التأمين الصحي تم إعداده عام 1991 من قبل وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية وعلى أن يتم تأسيس هيئة عامة للتأمين الصحي تابعة لوزارة التأمينات ولكنّ وزارة الصحة تصدت للأمر وطالبت بإلحاق القانون (ومن ثم الهيئة) بها وأدّى ذلك النزاع إلى تجميد الأمر زهاء عقد كامل, أما أول مشروع قانون قدمته وزارة الصحة بمسمى (قانون التأمين الصحي) عام 2002, وعرفت المادة الثانية من المشروع : التأمين الصحي الاجتماعي بأنه نظام تأمين صحي ضمن برنامج التأمين الاجتماعي الشامل (التقاعد, العمل, … إلخ), – أي أنها تؤكد أن تبعيته لوزارة التأمينات أولى – وقد أورد المشروع تعريف التأمين الصحي الخاصّ والتأمين المجتمعي أيضاً.

أما مسمى الاجتماعي فقد ظهر في المشروع الذي أعدته وزارة الصحة عام 2003 , وفي كِلا المشروعين (لعامي 2002 و 2003) تم منح وزير الصحة السلطة الكاملة للبتّ في العقود والمناقصات الخاصّة بنشاط ومشاريع الهيئة، كما أن له كامل الصلاحية في إصدار القرارات اللازمة لـتطبيق القانون فضلاً عن تسمية وزير الصحة كرئيس لمجلس إدارة هيئة التأمين الصحي.

وفي عام 2006 تم تشكيل لجنة وزارية لمراجعة مشروع قانون التأمين الصحي وقد طلب مني كل من وزير الداخلية ووزير المالية (مع أنه لم يكن ضمن اللجنة الوزارية) وأمين عام مجلس الوزراء أن أتقدّم بملاحظاتي حول مشروع القانون, وقد نبّهت حينها على أبرز الملاحظات بما فيها أهمية أن توضع اللائحة على مستوى أعلى من مستوى وزارة الصحة كما نبهت على أهمية الفصل بين وزارة الصحة ومجلس إدارة الهيئة, وتم إقامة لقاء تشاوري عن التأمين الصحي الاجتماعي بتاريخ 22 /3/2007 بنادي ضباط الشرطة وتم ترشيح لجنة من وكلاء وقيادات الوزارات والجهات ذات العلاقة ومثل وزارة الصحة في اللجنة كل من د. عبدالله الحامدي ود. جمال ناشر وبحضور خبير منظمة الصحة العالمية، وقد أوصت اللجنة بإنشاء مجلس أعلى للتأمين الصحي الاجتماعي برئاسة رئيس الوزراء أو نائبه وعضوية وزارة الصحة والمالية والتأمينات والداخلية والدفاع والعمل, ويقوم المجلس بالإشراف على إعداد اللوائح التنظيمية للقانون كما أوصوا بأهمية إقامة ورشة عمل يُدعى لها كل المعنيين.

وأمام ذلك التوجه تم إعداد مشروع قانون نصّت المادّة رقم (37) الفقرة (أ) منه على تشكيل لجنة وزارية تتولّى استيفاء المتطلبات التشريعية والمؤسسية اللازمة لتنفيذ أحكامه وبصفة خاصّة وضع اللائحة التنفيذية، ولكن وزارة الصحة تمكّنت من حذف هذه المادة في النسخة النهائية للمشروع وبالتالي أصبح إعداد اللائحة مسؤوليتها (منفردة( استناداً إلى المادة رقم (42) من المشروع المعدل لعام 2007 والتي تنص على أن تصدر اللائحة التنفيذية بقرار جمهوري بناءاً على عرض الوزير وبعد موافقة مجلس الوزراء، ولكنه أمكن الفصل بين رئيس مجلس إدارة هيئة التأمين و وزير الصحّة، ولا أستبعد أن تحاول الوزارة حالياً أن تلتف على هذا الأمر من خلال اللائحة بأن تسمي الوزير كرئيس مجلس إدارة للهيئة.

وفي شهر فبراير 2008 قامت لجنة الصحة والسكان في مجلس النواب وبحضوري بمناقشة مشروع قانون التأمين الصحي وأمكن لنا ومن خلال لقاءات عديدة, الاتفاق على إعادة النظر في أن تكون الوزارة هي وزارة الصحة العامة والسكان وتم الاتفاق على تأجيل (البت) في ذلك كما ورد في تقرير اللجنة بنسخته النهائية الصادرة بتاريخ 11/8/2008، وبرر التقرير حذف تعريف الوزارة “لأن وزارة الصحة ليست الوزارة (المنفذة) للقانون وإن كانت ذات صلة فهناك وزارات أخرى ذات صلة أيضاً”, كما تم ضمن التقرير الاقتراح بإسناد إعداد اللائحة إلى الهيئة المكلفة بقرار جمهوري , ولكن وللأسف وعند مناقشة اللجنة مع الجانب الحكومي (والذي لم أدعى لحضوره) تمكنت الوزارة من انتزاع التفرد بإعداد اللائحة مجدداً.

ومع أن هذه الثغرة هي من أقل الثغرات أثراً ومع ذلك فمن آثارها أن الوزارة تمر (ومعها القانون) في حالة تخبّط وضياع لأنه أسند للوزارة فوق ما يقدر عليه كوادرها لحداثة عهدهم ومحدودية إلمامهم بالتأمين الصحي، ومع ذلك وللإنصاف فإن هذه الثغرة لا تجعل الفشل في تطبيق القانون أمراً حتمياً بخلاف ثغرات أخرى جسام (حقوقية وفنية ومالية) لا يمكن على الاطلاق النجاح دون إعادة النظر بشأنها، وسوف نحاول عرض ثغرات القانون وتحدياته تباعاً على هذه الصفحة في مقالات قادمة بإذن الله تعالى.

سلسلة ثغرات قانون التأمين الصحي الاجتماعي (2)

ثانياً : عدم الاستدامة المالية :

عادةً لا تكمن الصعوبة في تقديم الوعود بل في تنفيذها, و في الدول النامية لاتهتم الحكومات بما تقدمه من وعود طالما أنه لا يحاسب فيها أحد أحداً، ولأننا لازلنا نحبو نحو ديمقراطية فعلية لذلك لم تتحرج وزارة الصحة من تضمين قانون التأمين الصحي وعوداً يستحيل بلوغها، وإذا وجد من يعول على امكانية استجداء الدول الشقيقة والصديقة لتغطية العجز, فنؤكد لهؤلاء أن الأنظمة والبرامج الاستراتيجية لا تبنى على المساعدات والهبات.

ولإبراز حتمية فشل القانون ومن العام الأول لتطبيقه فمن المفيد أن نراجع المشاريع المتتابعة من منظور مالي منذ عام 2002 حين تحمّلت وزارة الصحة مسؤولية القانون وعندها لم يُكتفى بالنسب المقتطعة من الرواتب بل تم إدراج موارد إضافية عبارة عن رسوم على المواد المضرّة بالصحة (السجائر وبقية أنواع الدخان، والقات، والأسمنت والكيماويات الزراعية والمبيدات الحشرية).

وفي مشروع 2003 اكتفت الوزارة بمضاعفة الرسوم على السجائر (خمسة أضعاف), بالإضافة إلى نسبة 13% من الراتب, وعلى أن يتحمل المؤمن عليه نسبة مشاركة تصل إلى ثلث سعر الخدمة أو الدواء, وبحيث يشمل التأمين الموظف أو العامل (فقط), ووجد المشروع صدّاً وممانعة من النقابات العمالية التي طالبت بتخفيض نسبة الاقتطاع وإلغاء نسبة المشاركة وإدراج الأسر في التغطية, ولاستحالة تنفيذ ذلك (من منظور مالي) وجه مجلس الوزراء باستشارة دار استشارية, ووقع اختيار وزارة الصحة على منظمة GTZ الألمانية التي أرسلت 9 خبراء بذلوا جهوداً جيدة وكتبوا تقريراً في مئات الصفحات (والتقرير متاح في الموقع الالكتروني لمنظمة الصحة العالمية) وقد ذكر الخبراء في تقريرهم صفحة 113 من الجزء الثاني (ص113 ج2) من النسخة العربية للتقرير ما نصه: “ومع ذلك يبلغ عجز التأمين الصحي 63% من الإيرادات في عام 2007 و يبلغ العجز 84% عام 2011″, (باعتبار أن بدء التطبيق عام 2007) ويردفون في ص116 ج2: “حتى إدخال حزمة الفوائد المنخفضة … يؤدي إلى عجوزات مالية كبيرة وستكون هناك حاجة للدعم الحكومي والذي يمثل نظرياً المبلغ الرئيسي”, ولذلك سبق لهم أن نبهوا في ص7 ج2 “إن الدخل السنوي المتوقع من الاسهامات المرتبطة بالأجور سيرتفع إلى حوالي 58 بليون (مليار) ريال يمني وهذا المال لن يكون كافياً لشراء برنامج مزايا صحية جيدة .. وسينتج عنه عجز كبير”, ولذلك نوهوا إلى أن وزارة الماليّة ستكون ملزمة بتغطية معظم الكلفة من الإيرادات العامة (من دخل النفط والضرائب والمانحين) ويتساءلون هل هناك رغبة وقدرة على تمويل هذا المبلغ؟!, وحذّروا من مخاوف من زيادة الفقر بقولهم (ص113 ج1): “وتجاه هذه الخلفية فإن تهديدات رئيسية لأعضاء محتملين في التأمين الصحي الوطني تتضمن زيادة الفقر بسبب مدفوعات المساهمة دون تحسّن الحصول على الخدمات الصحية النوعية”.

ومن المحزن أن الخبراء جاؤوا بطلب من وزارة الصحة وبكلفة حوالي ثلاثمائة ألف دولار فهل استفاد مختصو الوزارة منها شيئاً؟ وهل لديهم إجابات على مخاوف الخبراء؟ وقد قمت (بطلب رسمي من اتحاد نقابات العمال) بتلخيص التقرير وكتابة ملاحظات عليه في حوالي 150 صفحة ومع ذلك و تحسباً من عدم قراءة قيادات الوزارة للتقرير فقد اختصرته مجدداً في 25 صفحة وسلمته لقيادة الوزارة.

وقد كانت استشارة الألمان بين شهري 7 و 9/2005، لكن المأسآة الحقيقية بدأت بعد عام 2006 حين تحوّل الأمر من سعي لتطبيق التأمين الصحي إلى رغبة مركزة نحو جمع المليارات من الاستقطاعات والهبات والقروض بغض النظر عن تقديم الخدمة من عدمها ولذلك لم تتردد الوزارة عند إعداد مشروع القانون عام 2007 أن تدرج الزوجة وخمسة أطفال والوالدين, مع تخفيض نسبة المشاركة من الثلث إلى 5% من الخدمات و10% من الدواء, (ومثل هذا التعديل -حسب خبرتنا- يضاعف النفقات حوالي عشرة أضعاف) أي أن كامل الراتب لن يكفي لتقديم الخدمات الموعود بها،  وحين تم تنبيه الوزارة لذلك حاولت تمرير مشروع قانون لم تحدد فيه نسب الاقتطاع من الراتب ونسب المشاركة من كلفة الخدمة وأحالت ذلك إلى اللائحة، وحين تم التحفظ على الأمر ظهر المشروع دون زيادة في نسبة الاقتطاع من الراتب مع إلغاء رسوم السجائر، وكمحاولة لتغطية العجز الحتمي سمح المشروع لمجلس الوزراء أن يرفع نسب الاقتطاع من الراتب حسب الحاجة وفق عرض وزير الصحة، و في تعديلات لاحقة تم إلغاء نسبة المشاركة عن الخدمات وتم إدراج كافّة الزوجات وجميع الأولاد وبالرغم من ذلك تم تخفيض النسبة مجدداً إلى 11%.

ونحن بسردنا السابق نبرز التخبط وعدم الاستناد لأية أسس مالية في إعداد القانون، لأن كلف الخدمات الصحية تتزايد بنسبة أعلى من نسبة التزايد في الرواتب، فكيف يعد القانون بتقديم خدمات واسعة لكامل أفراد الأسرة مقابل نسبة من الراتب أقل من تلك التي سبق وضعها لتغطية الموظف فقط، ولكن هذا لا يعني على الإطلاق مطالبتنا بزيادة نسبة الاقتطاع من الرواتب لأن معظم الدول (حتى الدول النامية) والتي تعتمد على مساهمة موظفيها لا تتجاوز مساهمة الموظف فيها ما بين 2-3 % من الراتب كما هو الحال في الأردن ومصر واستراليا والصين وبلغاريا وفنلندا وجواتيمالا وغيرها.

ولمزيد من إبراز التخبط المالي الذي أحاط بوضع القانون نختم بالتنويه إلى أن الخبراء عندما أكدوا أنه سيحدث عجز هائل ومن العام الأول بنوا دراستهم على مشروع قانون 2003 وقبل التغطيات الإضافية التي أدرجت ضمن التعديلات اللاحقة، كما أنهم افترضوا أن جهات العمل العامة والخاصة ستلتزم بدفع الاستقطاعات وفق الرواتب الفعلية للموظفين وهذا ضمن التحديات الإدارية التي يمكن لنا التفصيل بشأنها في مقالات قادمة بإذن الله.

سلسلة ثغرات قانون التأمين الصحي الاجتماعي (3)

ثالثاً : انتهاك الحريات و الحقوق المكتسبة :

تحدّثنا أن عدم الاستدامة المالية سيؤدي لفشل القانون بصورته الراهنة, لكن الثغرة التي نتناولها اليوم ستحول دون تطبيق القانون ابتداءً وهي انتهاكه للحقوق والحريّات؛ كون وزارة الصحة تنوي نسِف أية حقوق سابقة لجهات العمل وأكد ذلك صراحةً الأخ الوزير حين سألهُ مذيع في إحدى القنوات الفضائية قبل أسبوعين أن هناك جهات لديها تأمين صحي حالياً فأجاب بأن (هذا قانون) وكل ما عداه سيلتغي, وليته اطلع على توصيات الخبراء الألمان التي قدمت لوزارته ضمن الاستشارة التي تحدّثنا عنها الأسبوع الماضي, حين تحدثوا ص55 ج2 عن البرامج المطبقة للتأمين الصحي:(ينبغي دعم مثل هذه البرامج وربطها وتمكينها. إنها بحاجة إلى فضاء لتتطور وتتوسع وتتكرر وتنمو وهي بحاجة إلى الحب وليس إلى القوانين. وينبغي علينا أن لا ننظمها وإنما نتعلم منها ومعها).وفي نفس المقابلة تحدّث الوزير عن دور التنافس الخلّاق بين القطاع الحكومي والخاص في الارتقاء بمستوى الخدمات الصحية المقدمة لمنتسبي هيئة التأمين،  فإذا كانت الوزارة مقتنعة بأن الهيئة ستقدم خدمات مثاليّة فمن المستغرب حجم الذعر لدى الوزارة من وجود أي جهة تنافس الهيئة.

لكن هذا الموقف يتفق مع موقف ممثلي الوزارة حين رفضوا إدراج فقرة اقترحتها النقابات العماليّة عند صياغة القانون للمحافظة على حقوقهم المكتسبة تنص على : (تمثل المنافع التي يقدمها الصندوق الحد الأدنى لحقوق المؤمن عليهم وحيث ما وجد نظام خاص للتأمين الصحي بشروط وضمانات أفضل لأي جهة فمن حق الجهة تطبيق أفضل النظامين دون المساس بأي حقوق مكتسبة)، واستبدلت بفقرة تنص على : (لا يتعارض هذا النوع من التأمين مع أي مزايا مكتسبة حاصل عليها الموظف في جهة عمله)، والمقصود أن من حق أي جهة الاستمرار في تقديم أية منافع شريطة أن تسلم للصندوق 11% من إجمالي الرواتب. وهذا يعني أن الجهات التي تقدم خدمة التأمين الصحي لموظفيها وتطورت برامجهم عبر السنين بجهود نقابيّة وعماليّة ستنسف جميع منافعهم في انتظار تأمين نجزم يقيناً بفشله, والأسوأ أن القانون سيكون مبرراً قويّاً لكل صاحب عمل لإيقاف تلك المنافع وقد يلتف على حقوق هيئة التأمين الصحي, كما يتم ممارسته حالياً مع مؤسسة التأمينات التي لا تقوم بتحصيل سوى 15% من حقوقها الفعلية لدى جهات العمل الخاصة.

وقد سبق لنا بذل جهود استثنائية بتعاون عدد من أعضاء مجلس النواب لإضافة فقرة ضمن المادة (40) تنص على (ولصاحب العمل أن يؤمن على العاملين معه لدى أي جهة وطنية مرخصة على أن لا تقل الخدمات التي تقدمها عن المستوى المعتمد من الهيئة) , وقد تم مخاطبة مجلس النواب بإضافتها من اتحاد شركات التأمين بغرض أن تتمكن شركات التأمين الوطنية المرخصة من وزارة الصناعة أن تقدم خدماتها كمنافس للهيئة, وقد صاغ الفقرة قانونيون ونوقشت باستفاضة ومع ذلك فإن وزارة الصحة طوعت اللائحة التنفيذيّة لتتماشى مع التوجه العام لها والمتمثل في الرغبة بالاستحواذ على كافة الاستقطاعات فجعلت اللائحة تنص على : (يجوز لصاحب العمل الخاضعين لأحكام قانون العمل أن يؤمن على العاملين معه لدى جهة وطنية مرخص لها من قبل هيئة التامين إذا دعت الضرورة لذلك وبعد موافقة العمال شريطة أن تكون خدمة الرعاية الطبية لا تقل عن مستوى الخدمات المقدمة من الصندوق وللهيئة الحق في إلزام أصحاب العمل بالتامين لدى الصندوق متى رأت أن مصلحة المؤمن عليه تقتضي ذلك). ولا يستبعد أن يكون هذا النص قد تم تعديله لأن اللائحة احتجبت خلال الشهور التسعة الماضية فلم أطلع عليها.

ومن تجاهل الحريات أن يحرم القانون جهات العمل من مجرد اقتراح مقدم خدمة على الصندوق كما نصت المادة 14 : (لا يجوز لأي وحدة خدمة عامة / صاحب عمل أن يطلب من الصندوق التعاقد مع أي جهة علاج..)، و إمعاناً في تضييع الحقوق ينص القانون على البدء بالاستقطاع ولا تقدم الخدمات إلا بعد مرور ستة شهور كما تنص المادة 29 : (يبدأ الصندوق بتقديم خدماته بعد مرور ستة أشهر من تاريخ تنفيذ هذا القانون لغرض إصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون ولتتمكن الهيئة والصندوق من إعداد البنية التحتية وقاعدة البيانات وتحصيل اشتراكات المؤمن عليهم وإعطاء الفرصة لجهة العلاج للتأهيل). وإذا كان من المبررات أن تصدر اللائحة فهاهي قد أعدت في الخفاء فما مبرر هذه المادة المجحفة؟ وهل من المنطق أن يتم إعداد البنية التحتية من رواتب الموظفين والعاملين؟!، ومن حقنا أن نسأل (خبراء) الوزارة من المسؤول عن تقديم الخدمات الصحية خلال شهور العقاب الستة للجهات التي ستوقف برامجها وتبدأ بتوريد الاستقطاعات للصندوق؟، الأمر الذي يجعلنا نطالب بربط الاستقطاع بتقديم الخدمة، وقد حاولت قيادات النقابات الحصول على فقرة تضمن تقديم الخدمة بعد انقضاء الشهور الستة ورفضت الوزارة إدراجها.

وقد سعدت قبل أسبوعين بالاجتماع بالأخ المهذب د/جمال ناشر وكيل وزارة الصحة وتناقشنا بشأن القانون, وذكرت له في حضور نخبة من الشخصيات الاجتماعية أن ما يمكن تمريره قبل عام 2011 لا يمكن تمريره بعده, وأنه لا يمكن تطبيق القانون دون المحافظة على كافّة الحقوق السابقة, و سألته عن اللائحة (السرية) وأهمية مناقشتها مع المعنيين، و أكد لي أمام الحاضرين أن اللائحة ليست سرية وسيرسلها لي اليوم التالي (قبل أسبوعين) وسيرتب لندوة يدعو إليها اتحاد نقابات العمال واتحاد شركات التأمين واتحاد الغرف التجارية وبحيث تعقد خلال أسبوع (الأسبوع الماضي)، وقد اتصل لي معتذراً عن التأخير وأنه على وعده، وأنا متأكد أنه سيرسل اللائحة وأن الندوة ستعقد أن عاجلاً أم آجلاً، وأرجو أن يتم ذلك قبل أن تصدر اللائحة بقرار رئاسي، مع يقيني أن قرار اللائحة لن يصدر دون التأكد من صيانتها للحقوق وإشراك ذوي العلاقة في مناقشتها لأن الأخ رئيس الجمهورية ومن يحيطون به أكثر إدراكاً لمآلات الأمور وأكثر استيعاباً لحساسية المرحلة التي يمر بها بلدنا الغالي، ومع تفهمنا أن وزارة الصحة تبحث عن إنجاز خلال حكومة التوافق لكن التهوّر بمحاولة تطبيق القانون بصورة تعسّفية ومضيعة للحقوق سيضاعِف من فشل الوزارة ، وما أجمل السؤال الذي وجهه مذيع قناة اليمن اليوم للأخ الوزير بقوله : (هل نستطيع القول أن الصحة في بلادنا صفر؟) وسؤاله كان جواباً، فلا نرغب بالمزيد من الأصفار.