التأمين الصحي في أي بلد أولوية لحكوماتها فتبادر إلى توفير التغطية الصحية لمواطنيها إلى جانب توفير المناخ المناسب للقطاع الخاص لدخول هذا الميدان على أساس توافر مجموعة من الشروط .. فهل تلك الشروط متوافرة في أول تجربة يمنية للتأمين الصحي ..الدكتور عادل العماد ،، أستاذ طب المجتمع واقتصاديات الصحة المساعد بجامعة صنعاء ورئيس شركة المتخصصة للتأمين الصحي تحدث إلى اليمن الإقتصادي حول علاقة الإقتصاد بالصحة، إضافة إلى دور التأمين الصحي في الإزدهار الإقتصادي ..

ماعلاقة الصحة بالاقتصاد؟ وكيف يمكن أن يسهم تعزيز الصحة في تحقيق الازدهار الاقتصادي؟

من الأمور المسلم بها أن الاهتمام بالصحة يعد اهتماماً بالتنمية حتى أن الاهتمام بصحة المواطن أصبح أولويةً قصوى لدى الدولº ليسلاعتبارات إنسانية أو اجتماعية إنما لاعتبارات اقتصادية، حيث أصبح ينظر للاستثمار نحو تحقيق صحة الأفراد استثماراً في رأس المال البشري وأي زيادة في إنتاجية رأس المال البشري هي زيادة في معدل النمو الاقتصادي، وفي المقابل فإن زوال الصحة وحدوث المرض يعتبر من أهم أسباب الفقر، لاسيما في الدول التي يغلب عليها أسلوب الدفع المباشر (من جيوب المواطنين) لمواجهة النفقات الصحية والتي ليس لديها آليات ملائمة لتمويل الخدمات الصحية من تمويل حكومي أو تأمين صحي، ولسوء الحظ أن اليمن لا زالت ضمن هذه الدول حيث يتحمل المواطن أكثر من 90% من النفقات الصحية العلاجية، ولهذا أوضحت إحدى الدراسات أن 40% من الأسر اليمنية التي يصاب أحد أفرادها بمرض كارثي تلجأ للاستدانة وان 27% منها تلجأ إلى بيع الممتلكات، وهذه الأرقام لا تخصنا في اليمن فحسب فقد أوضحت الدراسات أن 25% من الأسر الهندية تفلس بعد دخول أحد أفرادها إلى المستشفى، ولذلك ليس من الغريب أن يقع على مستوى العالم أكثر من 100 مليون فرد تحت خط الفقر سنوياً بسبب النفقات الصحية.

التأمين الصحي …… مصطلح ربما ما تزال أهميته غامضة لكثير من المؤسسات والشركات في القطاعين الحكومي والخاص تجاه موظفيها .. ما أسباب ذلك من وجهة نظركم؟ وكيف يمكن نشر ثقافة التأمين الصحي إذا كان انعدامها سبباً؟

الحاجة للتأمين الصحي تنامت كثيراً مؤخراً نتيجة لزيادة تكاليف الرعاية الصحية بسبب التطور التقني في العلوم الطبية واستحداث إجراءات وعمليات وأدوية مكلفة لم تكن موجودة من قبل، فضلاً عن تنامي الوعي الصحي وزيادة معدلات الأعمار الأمر الذي أدى إلى تفشي الأمراض المزمنة وزيادة الطلب على الخدمات الصحية، بمعنى أن التأمين الصحي ومع وجوده في بعض الدول الأوروبية منذ قرون مضت لكن الحاجة إليه زادت مؤخراً حيث كانت كثير من الحكومات تعتبر تقديم الخدمات الصحية ضمن التزاماتها لمواطنيها ولكنها عجزت عن الاستمرار في ذلك الأمر الذي دفعها للبدء بالتأمين الصحي (كما حدث في دول الخليج العربي مؤخراً)،  وأمام تنامي الحاجة لتطبيق التأمين الصحي فالمرحلة تقتضي البدء بالإحلال التدريجي للتأمين الصحي بدلاً عن الدفع المباشر، أما عن نشر ثقافة التأمين الصحي فهي بحاجة لتكاتف جميع الجهود لمختلف القطاعات الإعلامية والصحية والاجتماعية وغيرها (حكومية كانت أو خاصة)، ولقل أسئلتك هذه هي دليل على بدء التوجه نحو إرساء ثقافة التأمين الصحي، ولأن الدور يتركز على المختصين في هذا الشأن فقد عمدت شخصياً إلى نشر سلسلة مقالات عن التأمين الصحب في أكثر من مجلة متخصصة، فضلاً عن المحاضرات في الجامعات والمنابر الثقافية والمهنية إضافةً للمقالات التثقيفية عبر موقع الكتروني خاص تم تجهيزه لهذا الغرض، بل لقد تمكنت بتعاون الزملاء في قسم طب المجتمعة بكلية الطب جامعة صنعاء أن نستحدث محاضرات عن الاقتصاد الصحي والتأمين الصحي بصورة خاصة لطلاب الطب البشري وطب الأسنان والصيدلة والمختبرات ، بل وتم إدراج اقتصاديات الصحة ضمن مقرر الدراسات العليا الذي يشرف عليه القسم من صحة مجتمع وصحة عامة، ولم يحدث أن اعتذرت يوماً عن تقديم محاضرة أو كتابة مقالة توعوية عن التأمين الصحي لأي جهة تطلب ذلك.

أنتم السباقون في تأسيس أول شركة تأمين صحي في اليمن .. وثمة شركات تأمين كثر ربما كان لها الريادة في التأمين غير الصحي إلى أنها – مؤخراً – اتجهت صوب التأمين الصحي .. هل تعتقدون أنها أصبحت مدركة أثر التأمين الصحي لاسيما على الاقتصاد؟

لا أعتقد أن معظم الشركات أصبحت مدركة للأثر الاقتصادي للتأمين الصحي فهي تتعامل معه كأي منتج تأميني وتضع خططها حياله من رؤية مالية في المقام الأول وهؤلاء أستبعد أن يستمر اهتمامهم بالتأمين الصحي حتى لو أصبح إلزامياً بقوة القانون وسيقتصر دورهم كوسطاء لشركات عالمية، وذلك لما للتأمين الصحي من خصوصيات ومعوقات لاسيما مع غياب الضوابط الرسمية التي تنظم معالجة المرضى وندرة المعلومات الإحصائية وعدم توفر الكوادر الفنية المؤهلة مما يؤدي إلى ارتفاع كلف التشغيل لإدارة برامج التأمين الصحي، ومع ذلك ففد بدأت عدد من شركات التأمين بالعمل المشترك معنا وفي الفترة القادمة سنقوم بتأهيل كوادر من هذه الشركات، ونحن على يقين أن تعاوننا مع هذه الشركات الذي نعتز به سوف يثمر لما فيه نفع بلدنا الحبيب، كما أننا سنكون سعداء جداً عندما نجد من ينافسنا بقوة، لأن ذلك كله سيصب في الصالح العام من خلال انخفاض أقساط التأمين الأمر الذي سيؤدي إلى سهولة الحصول على التأمين الصحي وبالتالي يسهم في تعزيز الصحة ومن ثم النمو الاقتصادي.

وهنا يجب علينا أن نشير أن اتفاق وتعاون كافة شركات التأمين ليس أمراُ محموداً ولا يصب في مصلحة التأمين الصحي لأنه يؤدي إلى وجود تنسيق سعري بينها وبالتالي اتفاقها على هوامش ربح مريحة الأمر الذي ينتج عنه رفع قيمة الأقساط التأمينية وبالتالي صعوبة الحصول على التأمين الصحي وسوء استعمال الخدمات تحت مظلة التأمين، ومن ثم مزيد من ارتفاع كلف الخدمات الصحية على المواطنين كما حدث في أمريكا حيث يبلغ متوسط ما ينفق على الصحة سنوياً أكثر من 6 ألف دولار على المواطن الواحد.

وهنا لنا أن نقدم النصح للحكومة أن تدخل عبر شركات تأمين صحي حكومية لتنافس القطاع الخاص، وحتى يحين ذلك فسوف نبادر أن نقوم بهذا الدور من خلال شركتنا التي ستسهم في وضع أقساط التأمين الصحي في حدودها الدنيا صيانة لسوق التأمين الصحي من الزيادات غير المبررة والأيام القادمة كفيلة بتأكيد ما نقوله.

الشركات التي سعت في طلب التأمين الصحي قليلة جداً .. ما العوائق التي جعلت كثيراً من الشركات الخاصة وغيرها لا تسعى نحو التأمين الصحي لموظفيها في اليمن؟

يوجد عوامل عدة، لعل أبرزها عدم وجود قانون يلزم صاحب العمل أن يقدم الخدمة لموظفيه، كما أن الآليات الإدارية السائدة في بيئات العمل لا زالت تلك الآليات المندثرة فيندر أن نجد بيئة عمل (حكومية أو خاصة) تنهج النظريات الإدارية الحديثة من تمكين الموظفين أو الجودة الشاملة أو الهندرة أو الإدارة بالمكشوف، وحتى لو وجدت فبهدف الحصول على شهادة تستقطب مزيداً من العملاء، فلازال الهم لدى معظم المدراء هو العميل الخارجي دون التفات للعميل الداخلي (الموظف) ولهذا فلا عجب أن يتم تجاهل الموظف، فمن المدراء من يعتقد أن حصول الموظف على المرتب أمر يكفي لإسعاده وانتمائه لعمله، وإذا أراد صاحب العمل للحصول على التأمين الصحي أن يقتطع جزءً يسيراً من رواتب الموظفين قامت الدنيا ولم تقعد لغياب ثقافة التأمين الصحي، وبقي أن نشير أن حديثنا لا ينطبق على كافة الشركات ومع أننا بدأنا العمل الفعلي منذ شهور محدودة فقد اندرجت معنا شركات عديدة وأصبحنا نشرف على تأمين آلاف الموظفين، وبعيداً عن عمل شركتنا فإن عشرات الجهات الخاصة والعامة تقدم لموظفيها منافع صحية داخل اليمن وخارجه وتتفق في سبيل ذلك ملايين الدولارات، وبدأت كثير من هذه الجهات تستعين بنا في تنظيم هذه النفقات.

ما الصعوبات التي تواجهها شركات التأمين الخاص؟ وكيف يمكن تجاوزها؟ وما مستقبل التأمين الصحي الخاص في اليمن؟

الصعوبات الرئيسية هي ما سبق الإشارة إليه من ندرة الكوادر المتخصصة القادرة على تصميم برامج التأمين الصحي بما تحويه هذه البرامج من شروط تعاقدية متفاوتة ومتنوعة كونها خاضعة لمتغيرات عديدة معظمها خارج السيطرة، لكنها ذات علاقة مباشرة بالتأمين الصحي، وإذا كانت الخبرات شحيحة بشكل عام في الأسواق العربية والعالمية، فإن الأمر يزداد صعوبة في بلدنا الحبيب بسبب الصعوبات الأخرى المتعلقة بخصوصيات المؤسسات الصحية في اليمن والتشريعات النافذة ومدى تطبيقها وكذلك خصوصيات المجتمع اليمني وما يتعلق به من أنماط مرضية خاصة، وكل هذه تحديات يمكن التخفيف من أثرها بتكاتف الجهود الحكومية والخاصة، بحيث يتم وضع ضوابط ومعايير لمقدمي الخدمة الصحية والتأمينية على حد سواء وإتاحة المجال للتنافس النزيه نحو تحقيق معادلة تضمن حصول المرضى على خدمات صحية راقية ذات جودة، وحصول مقدمي الخدمة على حقوقهم بما يساعدهم على الاستمرار والتطور وكذلك حصول الجهات المؤمنة على عوائد مقبولة بما يكفل لها الاستمرار وضم مزيد من شرائح المجتمع، حينها يمكن أن يكون للتامين الصحي الخاص دور فاعل ليس في رفد الاستثمار الصحي والنمو الاقتصادي فحسب بل وفي رفع مستوى جودة الخدمات الصحية المقدمة.

في حال تبني الدولة رسمياً التأمين الصحي في القطاعين الحكومي والخاص .. هل سيؤثر ذلك عليكم كشركات تأمين خاص؟

مدى التأثير يعتمد على الأسلوب التأميني الذي ستنتهجه الدولة فإذا بقيت وزارة الصحة العامة والسكان على إصرارها أن تطبق التأمين الصحي الاجتماعي فإن ذلك لن يؤثر سلباً على شركات التأمين الصحي الخاصة فقط بل على المؤسسات الصحية وبالتالي على الاستثمار الصحي وسيؤدي إلى هيمنة هيئة حكومية تابعة لوزير الصحة العامة والسكان على نظام التأمين الصحي بأكمله فهي معنية أن تقتطع حوالي 14% من إجمالي راتب كل موظف في القطاع العام أو الخاص أو المختلط لتقدم له الخدمات الصحية في الجهات التي تحددها هي، وتبني هذا التوجه فيه إجهاض لأي طموحات نحو تطوير التأمين الصحي في اليمن، فالوزارة ترغب في تكرار التجربة المصرية التي تخلى عن معظم أجزاءها المصريون أنفسهم بعد تطبيق دام أكثر من أربعين عاماً، وحتى مع تطبيق التأمين الصحي الاجتماعي فإن التأمين الصحي الخاص المحترف يستطيع أن يقدم خدمات تكميلية لأن التأمين الصحي الاجتماعي يعاني من قصور حتى في البلدان الأكثر تقدماً مثل فرنسا وألمانيا فما بالك بالوضع في الدول النامية التي يعتبر فشل هذا النوع من التأمين أمر حتمي نتيجة لمحدودية دخل الفرد وزيادة العمل غير النظامي ورداءة ومحدودية انتشار الخدمات الصحية، ومع ذلك فإن أكبر شركات التأمين الأوروبية تقع في ألمانيا وعشرات الشركات الخاصة في فرنسا وكلاهما يطبقان التأمين الصحي الاجتماعي، لكن التقنين سيؤثر إيجاباً على التأمين الخاص عندما يبدأ الالتزام التدريجي وترك حرية الاختيار للجهات المؤمن عليها مع إمكانية دخول وزارة الصحة العامة والسكان من خلال الإدارة العامة للتأمين الصحي كمنافس قوي للقطاع الخاص، ويمكن أن تعطى الوزارة أولوية في تأمين الجهات الحكومية مع إتاحة الفرصة للتنافس النزيه بحيث تسعى كل جهة أن تقدم أفضل الخدمات بأقل الكلف وتقبل بهامش ربحي ضئيل للغاية ويكفي للاستدلال أن نعلم أن شركتنا تتقاضى نسبة إدارة لا تتجاوز 5% رغبة في تشجيع الجهات للتأمين الصحي على موظفيها بينما نجد أن النفقات الإدارية – لهيئة التأمين المصرية الحكومية – بلغت في إحدى السنوات 35%، ولك أن تتخيل إذا تم إنشاء هيئة تأمين صحي في اليمن وباعتبار بلادنا الحبيبة لا زالت تخطو خطواتها الأولى في مكافحة الفساد فلا تستبعد على سبيل المثال أن ترى أحد صغار الموظفين – غير الفنيين – في مكتب رئيس الهيئة يسافر إلى فرنسا أو ألمانيا على نفقة الهيئة للإطلاع على التجربة التأمينية لهذا البلد، أو تجد موظفاً صغيراً في قسم التراخيص يتقاضى مبالغ شهرية ضخمة من كبريات المستشفيات، قد لا يكون الأمر بهذا السوء ولكن نحن في غنى أن نلجأ لتجارب لا تتواءم مع ظروفنا ونحن على يقين أن الحكومة تحوي من العقلاء من يدركون كل هذه المخاوف ولن يقروا إلا مشروعاً قابلاً للحياة يجمع عليه نواب الشعب دون تردد.

“تم نشر المقالة في العدد(44)  الأثنين 23 يوليو 2007م”