ويسترسل هذا المدير قائلا: لم نجعل الربح المادي من أهم أولوياتنا, بل تجاوزناه لما هو أسمى، ففي الوقت الذي يسعى فيه الباحثون عن الربح إلى احتكار الخدمة، فنحن في المقابل نحث غيرنا على خوض هذا المضمار، لما لذلك من أثر إيجابي مستقبلي، فنحن نأمل من خلال التنافس أن تتكاثف الجهود سعياً إلى تغطية أكبر نسبة ممكنة من المواطنين بمظلة التأمين الصحي، وفي الوقت ذاته سنوجد التنافس بين مقدمي الخدمة الصحية من خلال اختيارنا السليم للجهات الطبية بناء على مواصفات فنية محددة بمنأى عن أي اعتبارات شخصية أو مزاجية، ومن خلال التنافس في تقديم أفضل خدمة صحية نسعى إلى الارتقاء بالمستوى العام للخدمات الصحية في ربوع وطننا الغالي, وبالتالي سنتمكن, بإذن الله تعالى, من معالجة جميع الحالات المرضية في مرافق صحية يمنية وبكوادر وطنية.
عبارات أحببت أن أبدأ بها مقالتي لأنها بحق تعبر عن القيمة المضافة التي يمكن أن تقدمها شركات التأمين للمواطن, والتي تتمثل في حصوله على جودة عالية بسعر مناسب نتيجة المنافسة التي تحدثها شركات التأمين بين مقدمي الخدمات أيا كان نوعها للفوز برضاها. فهل ينعم المواطن السعودي اليوم بهذه القيمة المضافة بعد سنوات مارست شركات التأمين أعمالها في المملكة العربية السعودية دون تنظيم رسمي؟

لا شك أن الهدف الرئيسي من التأمين هو مواجهة المخاطر “أي نوع من المخاطر” التي قد يتعرض لها الفرد أو المؤسسة، لكن برامج التأمين ونتيجة لدورها في مواجهة المخاطر أصبحت تشكل قوة مؤثرة في الاقتصاد بطريقة غير مباشرة حيث يدخل التأمين في جميع الأنشطة بصورة أو بأخرى لاستكمال دوراته المالية أو لضمان عدم تعرضها لهزات قوية تؤدي إلى إفلاسها أو عدم قدرتها على الوفاء بحقوق الغير، ودخول التأمين في الأنشطة التي تعرض كل أو بعض أطرافها للخطر جعله الضابط الرئيسي لجودتها وأسعارها من أجل المحافظة على حقوق شركات التأمين وحمايتها من خطر الإفلاس هي الأخرى.
فعلى سبيل المثال لا الحصر التأمين الصحي يؤدي إلى حرص المؤسسات الصحية الخاصة على رفع جودة خدماتها وضبط أسعارها لإرضاء شركات التأمين لكي تضمن آلاف الزبائن من حملة وثائق التأمين الصحي، وهنا يتضح التأثير القوي لشركات التأمين في التحكم الإيجابي في الأسعار وتقليل الاحتيال والتلاعب من قبل المؤسسات الصحية حيث تحرص شركات التأمين على التأكد من ضرورة الفحوص التي أجريت للمريض وضرورة الأدوية التي صرفت له.

وللمزيد من الإيضاح سأضرب لكم مثلا عايشته بنفسي لأوضح لكم إمكانية أن يلعب التأمين دورا كبيرا في حماية المواطن من الأخطار ورفع جودة الخدمات التي يمكن أن يحصل عليها إذا تم توجيه القوة المؤثرة للتأمين لتلعب دورها الإيجابي، فمنذ بضع سنوات عقدت اجتماعات لممثلي القطاعات الصحية مع وزارة الصحة والهيئات الصحية لتأمين الأطباء ضد الأخطاء الطبية التي يتعرضون لها أثناء الممارسة الطبية حيث اقترح البعض تقديم تأمين لمنسوبيهم جميعهم وذلك باقتطاع مبلغ ثابت من الجميع على أن تقوم بتعويض المتضررين من الأخطاء الطبية حسب الحكم القضائي الصادر لهم! وهو اقتراح كارثي دون أدنى شك لأنه سيفتح المجال للأطباء لكي يخطئوا دون خوف من أي خطر, ما يؤدي بالنتيجة إلى ضعف كبير في الخدمات الطبية يدفع ضريبته المريض المسكين.

ولكن اقتراحا آخر لتطبيق أفضل لقرار التأمين الإلزامي على الأطباء صدر من مجموعة أخرى, وكنت ممن شارك في بلورتها وتأييدها بشدة, لأن المقترح يوجب توفير تأمين ضد الأخطاء الطبية عبر شركات الضمان الصحي المرخصة بحيث يكون التأمين فرديا للطبيب، وكانت المبررات عديدة لتفضيل هذا الخيار على سابقه, منها أن التأمين ضد الأخطاء الطبية يخضع لعدة عوامل، منها تخصص الطبيب, فبعض التخصصات تكون فيها نسبة خطورة عالية مثل جراحات المخ والأعصاب ومن ثم تكون هناك أجور عالية لتكاليف عملياتهم الجراحية يتم احتساب نسبة التأمين فيها مع التكاليف الأخرى (تعقيد العملية والخبرات اللازمة)، ومنها أن التأمين ضد الأخطاء الطبية قوة لتطوير القطاعات الطبية، فهو يقدم وسيلة حماية ذاتية من الأطباء كثيري الأخطاء الطبية, حيث إنه كلما زادت أخطاء الطبيب ازدادت المطالبات والشكاوى عليه, ما يؤدي إلى زيادة أقساط التأمين عليه حتى يصبح غير قادر على مواصلة العمل الطبي لأنه يتكلف أكثر مما يحصل عليه من أجر، وعند ذلك سيكون خروجه أمرا طبيعيا ليتحول إلى عمل إداري مثلا لا يمثل خطرا على المرضى، وهنا نرى أن التأمين يشجع على التطور ويمنع التقاعس والجمود.
ولو تم اعتماد الرأي القائل بضرورة التأمين على الجميع عبر اقتطاع مبلغ من كل مشترك سواء المحسن والمسيء، والمبدع والمتقاعس، لكان الأمر في غاية الخطورة لأنه سيدفع المشاكل الطبية والتعويضات والتكاليف الطبية إلى الأعلى وسيعاقب الطبيب الجيد والمريض معا، ذلك أن الأخطاء لن تتوقف بل سيدفع من لا يخطئ رسوما كما الآخرين “عن غيره “، وستزيد التعويضات التي يحصل عليها المرضى بشكل كبير ما سيدفع شركات التأمين إلى زيادة أقساط التأمين على الجميع لتزداد تكاليف تقديم الخدمة الطبية, ما يضر بالجميع، أما الأطباء كثيرو الأخطاء فهم سيكافئون كونهم سيجدون من يدفع عنهم جزءا كبيرا من فاتورة أخطائهم وسيستمرون في العمل أيضا!! وهنا مكمن الخطر.

هذا المثال أعتقد وببساطة يوضح القيمة المضافة التي يمكن أن يقدمها التأمين للمواطن لينعم بها، ولكن هذه القيمة لن يحصل عليها المواطن إلا إذا كان التأمين محققا شرط التأثير الإيجابي الفاعل القوي، وإذا غاب هذا الشرط, كما أوضحت لكم بالمثل أعلاه, فإن نتائج التأمين قد تكون وخيمة على والوطن والمواطن معا. فهل نرى شركات التأمين في بلادنا الحبيبة التي تشارك في التصدي لجميع أنواع المخاطر تضع صيغا تأمينية تضمن لها الربح والاستمرارية كما تضمن لأفراد المجتمع قيما مضافة ينعمون بها بشكل مستدام؟ هذا ما نتمناه ونتوقعه جميعا.

د.عبد العزيز الغدير
[email protected]

يقول أحد مديري شركات التأمين في اليمن بعد أن قررت شركته تقديم خدمة التأمين الصحي: لو أن ذلك حدث منذ زمن بعيد لكان وضع الخدمات الصحية في اليمن في حال أفضل، ويضيف أنه ورغم أن هذا النوع من التأمين يتطلب تقنيات عالية وخبرات نادرة قادرة على مراقبة المتغيرات المستمرة والتطورات السريعة التي تشهدها الخدمات الطبية للتعامل معها, إلا أن شركته قبلت هذا التحدي متسلحة بمبادئ وأهداف سامية وإصرار وعزيمة على النجاح, وإن كان هذا النوع من التأمين سبب خسارة كبيرة لعدد غير قليل من شركات التأمين وشركات إعادة التأمين.