من دواعي السعادة أن جميع مقالات صفحة التوعية التأمينية يوم الثلاثاء الماضي تناولت حصراَ موضوع التأمين الصحي الاجتماعي ، وقد أثرى جوانب شتى عنه نخبة من الأكاديميين  والنقابيين ومختصين التأمين والذين يأملون باستحداث تأمين صحي لكل مواطن بخدمات صحية جيدة وبكلف إدارية مقبولة، وجميعهم يعلمون أن ذلك لايمكن إن يتأتى بين عشية وضحاها بل قد يتطلب عقوداً لبلوغه، فقد احتاج الأمر أكثر من مائة عام في ألمانيا واستراليا وبلغاريا، وأكثر من 70 عاماً في لوكسمبرج وقرابة أريعين عاماً في اليابان، ومع تفاوت الفترة الزمنية في الدول التي نجحت في بلوغ التغطية الشاملة من خلال تطبيق التأمين الصحي الاجتماعي (وعددها 27 بلداً) ولكن عشرات من الدول الأخرى لم تتمكن من تحقيق أي تغطية مقبولة مع أن بعضها بدأ بتطبيق هذا النوع من التأمين قبل قرابة مائة عام ، وحتى لانصنف بعد عقود ضمن سيئي الحظ الذين لم يحرزوا أي تقدم فقد تناولنا الأسبوع الماضي متطلبات نجاح التأمين الصحي الاجتماعي ، وأبرزنا ما نواجهه في اليمن من تحديات كبرى تتمثل في تدني مستوى الدخل والوعي والخدمات الصحية وتفشي الفساد فضلاً عن التناثر السكاني وكثرة العاملين غير النظاميين وغيرها، وهذه التحديات تحتم أن نبدأ بداية صحيحة تستند إلى تشريعات سليمة، وهذا ما نفتقر إليه بشدة ، ومع أن قانون التأمين الصحي الاجتماعي استمر إعداده زهاء عقد من الزمن شهد خلالها القليل من التحسينات والكثير من الاهمال والتسويف والعشوائية وعدم الاحتراف ومن ثم فقد كانت النتيجة الطبيعية الخروج بقانون مخيب للآمال.

وما أوردناه يعلمه الكثيرون من المهتمين، ولكن الذي لا يعلمه الكثير أنه سبق إنجاز  مشروع قانون مثالي وقابل للتطبيق العملي قبل أكثر من عامين بتعاون بين كاتب هذه السطور مع لجنة الصحة و السكان و كذلك لجنة القوى العاملة بمجلس النواب ، وقد تم الاتفاق على كل مادة فيه من خلال اجتماعات عديدة وبمحاضر رسمية (والمشروع موثق في لجنة الصحة والسكان وموثق لدنيا كما أرسل من مقرر لجنة الصحة والسكان بصورته النهائية)، ولكن ومن سوء حظ شعبنا الصابر المعاني تدخلت وزارة الصحة السابقة كممثلة عن الحكومة وتمكنت ببراعة من نسف حسنات المشروع والذي بذلنا جهوداً وعلى مدار أسابيع حتى تم الاتفاق عليها وأعادتنا الوزارة إلى نقطة البداية من جديد، ومع هذا الحظ العاثر فقد أمكن لعدد من أعضاء مجلس النواب  أن يواجهوا وزارة الصحة بحزم وأمكنهم إلى حد ما تجاوز بعض أخطاء القانون وثغراته، وكان المؤمل أن يتم تلافي ما تبقى من ثغرات من خلال شروح اللائحة التنفيذية كون الوزارة عمدت إلى إحالة بعض الأمور الخلافية إلى اللائحة لعلمها المسبق أنها من ستقوم بإعدادها، ولكن أداء وزارة الصحة حيال هذا الأمر جاء متواضعاَ وسلبياً للغاية ولذلك فشلت في إنجاز  اللائحة خلال أكثر من عام مع أن القانون يلزمها بإعدادها خلال ثلاث شهور كحد أقصى، في الوقت الذي تتطلب أياماً معودة لإعدادها، ويمكن أن نلتمس للوزارة العذر لما شهده بلدنا الغالي من ظروف استثنائية العام الماضي فضلاً عن أن معظم اللجان المكلفة بإعداد اللائحة لا علاقة لهم بالتأمين الصحي حتى أننا لم نقرأ لأحدهم كلمة واحدة في هذه الصفحة المختصة مع مطالبتنا لهم أسبوعياً بأهمية التعقيب على ما نورده من آراء فضلاً عن أهمية إشراك الآخرين في أية انجازات يقومون بها، أو أية صعوبات أو تحديات تواجههم.

ونكرر مطالبة الأخ الوزير بأن يوجه بتنظيم ورشة عمل برعايته (أو برعاية رئيس الوزراء) بصورة عاجلة يدعى إليها كافة المعنيين من نقابات وخبراء وأكاديميين و ممثلي قطاع خاص لمناقشة اللائحة التنفيذية لقانون التأمين الصحي، وبذلك ستتضح الأمور للأخ الوزير وغيره كما هي وليست كما تصور له ، وفي حال تعذر ذلك لأي سبب من الأسباب فإنا نؤيد ما طالب به خبير  التأمين المخضرم الأستاذ/ ناشر العبسي في رسالته العاجلة لرئيس الوزراء الأسبوع الماضي والتي يدعو فيها إلى إعادة القانون إلى مجلس النواب لمزيد من التشاور والمداولة مع ذوي العلاقة، وباعتبار أن ذلك ليس ضمن صلاحيات الحكومة فمن الممكن للمهتمين ومن خلال إبراز ثغرات ومثالب وعواقب تطبيق القانون للرأي العام ولاسيما للنقابات العمالية داخل الحكومة وخارجها بهدف مطالبة مجلس النواب بطلب القانون لإعادة مداولته بما في ذلك مناقشة إمكانية استبعاد وزارة الصحة من مسؤولية إعداد اللائحة وتكليف لجنة فنية (حقيقية) من عدد من الوزارات والنقابات والأكاديميين والقانونيين ومختصصي التأمين.