د.عادل أحمد العماد
استشاري في طب الجتمع

في مطلع التسعينات من القرن الماضي شهدت اليمن أحداثاً أثرت على الإقتصاد الوطني وامتد أثرها إلى مختلف مؤسسات الدولة بما فيها القطاع الصحي الذي عانى من انخفاض مخصصاته (خصوصاً مع انخفاض قيمة الريال), وتقليص الدعم من الجهات المانحة ودول الجوار (نتيجة لتداعيات حرب الخليج), مما أثر سلباً على أداء وفاعلية النظام الصحي الأمر الذي تمثل في تدني نسبة التغطية بالخدمات, حيث أوضح تقرير لجنة الصحة والسكان بمجلس الشورى (حول التأمين الصحي) أن المواطن اليمني يتحمل ما يعادل 75% من تكاليف الرعاية الصحية, بينما لا يتجاوز ما يدفعه المواطن في الدول النامية 40% من الكلفة, مما يشكل عبئاً يثقل كاهل المريض اليمني, مع تدني مستوى الدخل الذي يجعل من الصعب على الأغلبية العظمى من أفراد المجتمع أن يتحملوا النفقات العالية للتقنية الطبية الحديثة على أساس (الدفع مقابل الخدمة).

أما تقديم الخدمات الطبية مجاناً فقد أصبح غير ممكن, ليس في اليمن فحسب, بل في معظم دول العالم حيث أنه لا مفر من نقل جزء من عبء الرعاية الصحية عن كاهل الدولة وتحميلة الأفراد, وقد لجأت إلى ذلك دول ذات مستوى دخل عالي (مثل دول الخليج).

ويمكننا تلخيص أهم المعوقات التي تواجة تقديم الخدمات في بلادنا فيما يلي:

  1. ارتفاع كلفة الخدمات الصحية نتيجة للمتغيرات الاقتصادية والتطور التقني.
  2. انخفاض الموازنات المرصودة لوزارة الصحة وبالتالي تدني مستوى الخدمات الصحية المقدمة ومحدودية انتشارها.
  3. صعوبة تقديم خدمات طبية مجانية حتى في بلدان دخلها القومي أضعاف دخل اليمن القومي.
  4. عجز الأغلبية العظمى من المواطنين أمام الأعباء والتكاليف المترتبة على معالجة أي مرض محتمل الحدوث.

وبعد تشخيص وتحديد المعوقات فإننا بحاجة لإيضاح الوسيلة المناسبة لمواجهتها والتغلب عليها, وقد أحسنت وزارة الصحة والسكان بالتفاتها لهذا الجانب واهتمامها بتناول موضوع التأمين الصحي العام والتأمين الصحي المجتمعي, وهو الأمر الذي تبلور في إطار الجهود المشتركة بين الوزارة ومجلس الشورى, والتي تمخض عنها جملة من التوصيات التي تصف مبررات إنشاء نظام وطني للتأمين الصحي, ومن ذلك عبارة وردت في التقرير المشار إلية (للجنة الصحة والسكان) نقلاً عن تقرير الأمم المتحدة الذي أوضح المحاور الأساسية والسياسات التي ترمي إلى تحسين الصحة في البلدان النامية, وذكر التقرير ضمن محاورة العبارة التي نعنيها والتي تنص على:

“التشجيع على مزيد من التنويع والمنافسة في تمويل الخدمات الصحية وتقديمها بحيث تقوم الحكومة بتمويل برامج الصحة العامة والخدمات الصحية الأساسية مما يتيح للقطاع الخاص تمويل الخدمات الطبية الباقية وذلك من خلال نظام التأمين الصحي”.

ماذا عساها هذه العبارة تحوي في طياتها حتى نعتقد بأنها قد تكون مخرجاً لبلدنا من الأزمة الصحية التي يعيشها؟!

إنة نظام التأمين الصحي, ذلك النظام الذي أصبح خياراً استراتيجياً لأكثر من مائة وخمسين دولة (من بينها دول غنية وأخرى فقيرة), ونجحت كل دولة منه في دراسة وتقييم النظام الصحي فيها, وبالتالي طبقت أساليب من التأمين الصحي بما يتماشى مع إمكاناتها المادية والبشرية.

أما حالنا في اليمن فالعمل قائم من قبل وزارة الصحة العامة والسكان منذ فترة لإخراج قانون التأمين الصحي إلى حيز الوجود, مع العمل على الاستفادة من أي دراسات أو بحوث في هذا المجال واستشارة خبراء دوليين لديهم خبرة في تخصصاتهم بما يتوافق مع واقعنا الصحي وبما يضمن أن تكون توصياتهم متكاملة وقابلة للتطبيق.

وعودة إلى العبارة السابقة التي اعتبرناها مخرجاً لنا مما نحن فية فيمكننا أن نفهم منها ما يلي:

  1. نتيجة لانخفاض موازنة وزارة الصحة فإنها ستكون أكثر فاعلية لو أنه تم الاستفادة منها في الأنشطة الوقائية حيث أن درهم الوقايه خير من قنطار علاج, مع تقليص الإنفاق على الجوانب العلاجية, فإن الأولى توسيع نطاق الخدمات الصحية الوقائية بحيث تشمل أكبر قدر ممكن من الريف المحروم من الخدمات الصحية الأساسية.
  2. سيؤدي الأخذ بنظام التأمين الصحي إلى تمكن المواطن من الحصول على الخدمات الصحية مرتفعة الكلفة بسعر زهيد, لأن مبدأ التكافل التعاوني الذي يتميز به نظام التأمين الصحي سيجعل كافة الأصحاء يتعاونون في رفع كلفة معالجة أي مريض منهم, مع الأخذ بعين الاعتبار أن تعزيز برامج الصحة العامة والخدمات الصحية الأساسية التي ستقوم بها الدولة بفاعلية سيؤدي إلى انخفاض احتمالية المرض وبالتالي سيقلل العبء على التأمين الصحي.
  3. ازدهار التأمين الصحي وتعميمه على كافة القطاعات (عامة, خاصة, مختلطة), سيؤدي إلى إيجاد تنافس حقيقي بين كافة المرافق الصحية (حكومية أو خاصة) لإستقطاب الجهات المؤمن عليها, ولن يحدث هذا التنافس إلا إذا أعطيت هذه الجهات كامل الحرية في اختيار أين ستؤمن على منتسبيها, وإعطاء الأفراد حرية اختيار المرافق الصحية والأطباء المعالجين.

ختاماً:

إن تطبيق نظام التأمين الصحي وانتعاش المؤسسات العلاجية لن يسهم في حل مشكلة المرضى محدودي الدخل فحسب, بل انه سينهض بمستوى الكوادر الصحية اليمنية (مادياً وفنياً), وعندها لن يكون هنالك من داعٍ لسفر أي مريض للعلاج خارج وطننا الغالي الذي سيصبح – بإذن الله تعالى – زاخراً بالإمكانات والتجهيزات الحديثة والكوادر الوطنية البارعة والمتخصصة.

(مقالة نشرت في مجلة الصحة والسكان في عددها الأول -فبراير2005م- في الصفحتين41-42)