يبقى التأمين الصحي ضرورة حتمية لأي مجتمع، خاصة في ظل تزايد أعداد الفقراء في عالم اليوم مع ظهور الكثير من الأمراض والأوبئة الخطيرة والكوارث الطبيعية وغيرها التي تستدعي وجود هذا التأمين من أجل مواجهة التكاليف الكبيرة لمعالجة تلك الأمراض والكوارث والتي يعجز عن توفيرها محدودو الدخل وغيرهم من المذكورين آنفاً..

حول هذا الجانب العام وواقعه في بلادنا حاورنا الدكتور/ عادل أحمد العماد – رئيس مجلس إدارة شركة المتخصصة للتأمين الصحي، والأستاذ المساعد في جامعة صنعاء صاحب البورد العربي في طب المجتمع، والدكتوراة في الإدارة الصحية واقتصاديات الصحة.

يجهل الكثيرون في بلادنا مفهوم «التأمين الصحي» وأهميته القصوى في وقتنا الحاضر.. فماذا عن هذا الجانب؟، وكيف تنظرون إلى واقع «التأمين الصحي» في بلادنا؟.

أولاً: التأمينُ الصحي شأنـُه شأنُ بقية أنواع التأمين، فإذا أردنا أن نعرِّفَ كلمة «تأمين» فهي عبارة عن توزيع الخطر المتوقع الناتج عن المرض بمعنى أن تتعاون مجموعة من الناس الأصحاء والمرضى فيما بينهم، بحيث يتحملون نفقات معالجة أية حالة مرضية يتعرض لها أحدُهم أثناء فترة محدودة هي فترة التأمين.

وهُنا أقول: لا شك أن للتأمين الصحي أهميةً كبيرة وبالغةº كونه يمثل قدراً لا بد منه.. في وقتنا الراهن نجد أن أكثر من «0٥1» دولة توجهت نحو التأمين الصحي بأنواعه المختلفة.. لماذا؟! لأنه ومع توالي العقود وبالذات العقدين الآخرين تنامت تكاليفُ الخدمات الصحية بشكل مبالـَـغ فيه، وذلك للتقنية الحديثة ونتيجةً لاستحداث عمليات لم تكن موجودة من قبل، وكذا نتيجة لزيادة الاختصاصات والكوادر الصحية، أضف إلى ذلك الوضع الاقتصادي المتدني الذي تمر به ليس بلادنا الحبيبة فقط، وإنما الكثير من البلدان، خصوصاً في العقدين الأخيرين.

كل هذه الأمور جعلت من الصعب جداً استمرارَ تحمل النفقات الصحية من قبل المواطنين، ولهذا نجد أن بلداناً كانت تلتزم بمعالجة كافة مواطنيها بل وكافة المقيمين فيها، وكانت تتحمل كافة النفقات العلاجية غير أنها لم تستطع أن تستمر ومنها دول الخليج النفطية، حيث عجزت عن تقديم خدمات علاجية مجانية، ولهذا بدأت معظم دول الخليج العربي بتطبيق التأمين الصحي مثل المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت..

وانطلاقاً من ذلك فالتأمينُ الصحي له أهمية بالغةº كونه يمكّنُ الموظفَ أو المواطن صاحب الدخل المحدود من أن يحصُلَ على الخدمات العلاجية ذات الكُلَف العالية التي يصعب عليه توفيرها من راتبه.. وإذا رأينا الأعباء الصحية نجد أن بعضَ البلدان كالهند مثلاً يتحول فيها ما يزيد عن «٥٢٪» من مواطنيها من المستوى المعيشي المتوسط إلى المستويات الدنيا وإلى طبقة الفقراء.

في بلادنا نجدُ الإصابةَ بالأمراض المفجعة أو ما يسمى بـ(الأمراض الكارثية) ذات الكلف العالية أثناء علاجها تشكل هماً كبيراً في وطننا، فقد أوضحت إحدى الدراسات في جامعة صنعاء أن ما نسبته ٧«-٧٢٪» من المواطنين يضطرون إلى بيع الممتلكات لأجل توفير ثمن الدواء، وأن قرابة «٠٤٪» من المواطنين يضطرون إلى الاستدانة أيضاً لمواجهة نفقات العلاج، وهذا الأمر يجبُ أن لا يستمر.. والمشكلة الكبيرة أن الشخصَ السليم في بلادنا لا يفكر أنه قد يصابُ بمرض ما في يوم ما حتى يندفعَ إلى التأمين الصحي، ولا يفكر في هذا الجانب حتى يُصابَ بالمرض.

بالنسبة لواقع التأمين الصحي في بلادنا مع وجود نحو اثنتـَـي عشرة شركة تأمين مختلفة فيها للأسف الشديد بعض هذه الشركات عمرُها يزيد عن «٠٤ سنة» لم تفكر إحداها بجدية أن تمارسَ «التأمين الصحي» فـأصحابُ شركات التأمين عبارةٌ عن وُكلاء، أو كوكلاء لشركات أجنبية يحصلون على عمولات محدودة من تلك الشركات وفق أقساط تأمينية باهضة تصل أحياناً إلى آلاف الدولارات عن الفرد الواحد !!، ولهذا فهي غير منطقية وغير عملية في مجتمعنا، خاصة إذا ما قارنا مستوى الدخول لدى المواطنين بما تريده هذه الشركات من أقساط تأمينية، وهذا حقيقة ما دفعنا إلى إنشاء “المتخصصة للتأمين الصحي”، وإلى اختيار مثل هذا الجانب، أضف إلى ذلك ربما لطبيعة اختصاصي وحصولي على الدكتوراه في الإدارة الصحية واقتصادية الصحة التي يعد التأمين الصحي جزء رئيسياً ومهماً منها، وقد عملت في هذا الجانب كمستشار طبي لليمن في الأردن لمدة تسعة أعوام، حيث والأردن يعد من البلدان العربية الأكثر تقدماً في التأمين الصحي، فقد وجدتُ نحو ثلاثة أرباع الشعب الأردني مُؤمّناً صحياً بما فيه مختلفُ القطاعات العامة والخاصة المدنية والعسكرية، والكثيرُ من هذه القطاعات مؤمّنة اختيارياً وليست ملزمةً من أحد، وهذا نتيجة الثقافة والوعي الكبير هناك.

أما في بلادنا فنحن في حقيقة الأمر لسنا متأخرين في التأمين الصحي فحسب ولكن متأخرون في كافة أنواع التأمين، حيث نجد أن إجمالي أقساط التأمين في بلادنا بأكمله وبمختلف أنواع التأمين لا تتجاوز «٥٣» مليون دولار، وهذا الرقم لا يمثل خُمُسَ أو سُدُس الأقساط التأمينية في دولة متواضعة ربما لا تساوي مساحتـُها رُبع صنعاء وهي البحرين.

وأنت تمثل شركة متخصصة في التأمين الصحي كيف ترى اندفاع المؤسسات الخاصة والعامة الأفراد نحو التأمين الصحي؟، وهل لديكم إحصائيات سنوية توضح أعداد المؤمِّنين وصفاتهم؟.

الاندفاعُ أو الإقبالُ في بلادنا نحو التأمين الصحي يمثل إقبالاً نفسياً وليس حقيقياً بمعنى أنه (يرغبُ كل مواطن أن يكون مؤمّـن صحياً لكنه ليس مستعداً أن يدفع، الموظفُ يريد من جهة عمله أن تؤمِّـنه مجاناً، وفي المقابل جهات العمل حريصة على أداء الموظف وعلى عمله لكنها ليست حريصةً على صحته وهذه مصيبة).. نعم في الفترة الأخيرة لاحظنا توجهاً نحو محاربة الفساد، وهذا جانب إيجابي جداً خاصة وأن الفساد المؤسسي هو أحد أهم العوائق التي تقف أمام التأمين الصحي.

كيف ذلك؟.

توجد بعض الجهات سواء كانت متنفذةً في داخل مؤسسات العمل أو أحياناً موظفون بسطاء أو موظفون يقعون في مواقع مفصلية قد يكونون مستفيدين من الوضع العشوائي القائم ولا يريدون التخلي عنه.. فهم يحصلون أحياناً على عُمُولات أو هدايا سواء من المرضى أو من المؤسسات التي تقدم الخدمة، وهذه ليست قاعدةً ولكنها موجودة وبكثرة ولمسناها بأنفسنا.. فعندما تريد أن تضع أنظمةً ولوائحَ تضبط هذه الجوانب ضمن مظلة التأمين الصحي فإن مصالحَ المذكورين تتضرر، ولهذا هُم أول من يحاربك.. لكنا إذا استطعنا أن نصنفَ الموظفين في مؤسسات العمل المختلفة إلى ثلاثة أصناف:
الأول: القيادات العليا.. سنجدُ أن بعضَ هؤلاء حريصون أن تبقى كل المفاصل بيده حتى تتسنى له معالجةُ هذا وحرمان ذاك.
الصنف الثاني: هم الموظفون الوسطيون القريبون من القيادات.. بعض هؤلاء يحصلون على فوائد مادية مباشرة، ويستفيدون من الفساد القائم.
الصنف الثالث: هم الموظفون البسطاء.. إذا قاوموا التأمين فهم يقاومونه لاعتبار، حيث نجد أنه حتى لو خيَّرتهم جهاتُ أعمالهم بين البَدَل النقدي والتأمين الصحي فسوف يختار البدل النقدي.. لماذا؟º لأن الذين يتعرضون للمرض لا تصل نسبتهم إلى »٠١٪« من عدد الموظفين، ولهذا »٠٩٪« من الأصحاء لا يفكر بالمرض، لذا يفكرون فيما سيعود عليهم من البدل النقدي.. وهذا يمثل تدنياً كبيراً في الثقافة والوعي، وهذا ينعكس نحو محاربة التأمين، وهذا وجدناه، أو على أقل تقدير عدم استيعاب التأمين، وعندما نتحدث عن هذا الموضوع فهذا لا ينفي أن هناك جهات ممتازة وجادة، وجهات سعت إلينا ولم نسع إليها، وهناك من تسأل عن أسباب تأخرنا في الظهور إلى هذا الوقت.

مع ضرورة التأمين الصحي في وقتنا الحاضر خصوصاً في مؤسسات الأعمال المختلفة هل يوجد قانونٌ إلزامي يوجب علىها إبرامَ عقود تأمين صحي على موظفيها؟، أم أن هذا القانونَ لم يَرَ النورَ بعدُ؟.

إلى هذه اللحظة التي أحدثك فيها لم يصدر أي قانون غير أنه تم اقتراحُ قانون عام ٠٩٩١م من القرن الفائت من وزارة التأمينات الإجتماعية، وقد حدث خلافٌ بين وزارتي الصحة والتأمينات الإجتماعية حول من يصيغ هذا القانون، أو مَن المسؤول عن التأمين الصحي، حيث تمسكت وزارة التأمينات بكلمة “التأمين”، وتمسكت وزارة الصحة بكلمة “الصحي” ، فأوقف الخلافُ المشروعَ عقداً من حتى ٠٠٠٢م، ثم عادوا إلى التفكير مرة ثانية في مشروع التأمين الصحي وهم الآن يريدون أن يعمموا تأميناً يسمى «التأمين الصحي الاجتماعي».. وزارة الصحة استعانت في مشروع القانون هذا بشركة ألمانية لمراجعته، وقد قدمنا أيضاً ملاحظاتنا بناءاً على طلب وزارة الصحة حول رؤية وملاحظة الشركة الألمانية، والآن توجد لجنة مشكّلة في وزارة الصحة برئاسة وكيل الوزارة لبحث هذا الموضوع، غير أنها تسير ببطء، ولا يوجد لدى وزارة الصحة خبراء في التأمين الصحي، ولا تحاول بجدية الاستعانة بالخبراء الأكثر معرفةً في هذا الشأن.

قدمتم الكثير من الملاحظات على مشروع قانون التأمين الأخير.. ما هي أبرزُ الثغرات في هذا المشروع؟.

أبرز الثغرات التي أبدينا ملاحظاتنا عليها في المشروع المذكور هو اقتطاع ما نسبته (٣١٪) من راتب الموظف يُخصَّصُ للتأمين الصحي وإصابة العمل، وهذه نسبة كبيرة، ويجب أن لا تتجاوز هذه النسبة كحد أقصى (٥٪)، إلى ذلك من الثغرات فقد جعلوا لوزارة الصحة الحق في رفع هذه الأقساط دون موافقة مجلس النواب، ومن المساوئ أن الجهات العامة والخاصة ملزمة أن تؤمّن لدى جهة حكومية تسمى (هيئة التأمين)، وهيئةُ التأمين تعالج المؤمّنين في المكان الذي تحدده هي، ومن المساوئ أيضاً أنهم فرضوا نسبة »٠٣٪« تـُـدفعُ من المستفيد عندما يستفيد من الخدمات خارج المستشفى، وهذا المبلغ كبير إذا ما قورن بمستوى الدخل لدى الموظف، وغير منطقي، خصوصاً وأن هذه نسبة مقتطعة من رواتب الموظفين، وهذه لازالت رُؤى ولا يوجد قانون، ونحن على استعداد تام لتقديم ملاحظاتنا وخبراتنا كلها إذا ما طلب منا ذلك.. ولكن لن نفرض معرفتنا على أحد.

للتأمين الصحي شروطـُه وأهدافُه التي تضمن الفائدة لجميع الأطراف سواء المؤمّـن أو شركة التأمين أو جهة العمل التي ينتمي إليها المؤمّـن.. ما هي أبرز تلك الأهداف والشروط التي تسير المتخصصة ضمنها؟.

لا شك أن التأمين الصحي يحقق عملياً فائدة لكافة الأطراف ابتداءً من جهة العمل أو رب العمل، فالتأمينُ أولاً يرفع من انتاجية عماله التي ترفع من ربحية مؤسسته، وكذا يوفر وقته، بحيث يدخر الوقت لقيادة مؤسسته بدلاً عن تضييع الوقت في الإشراف على المشاكل بين موظفيه سواء كانت صحية أو غيرها، ومن الفوائد أن المؤسسة تعرف مقدار الصرف على التأمين طوال العام سلفاً، وبالتالي التأمينُ سوف يوفر لها توجيه المخصصات الحقيقية نحو أماكنها السليمة.. بالنسبة للمؤمّن الموظف والمستفيدُ يستوي السائق مع المدير في الحصول على حق التأمين من خلال بطاقة خاصة به، قد تختلف الدرجات بين أولى وثالثة في خدمات التأمين لكن الدواء يمنح لكل شخص مؤمّن على السواء..

أما الفوائدُ التي تعود على الشركات التي تقدم الخدمة التأمينية فلهم فائدة كبيرة من خلال ضح أقساط التأمين لها والعمل على تطوير خدماتها وتوسيعها.. والفائدة الكبيرة للتأمين وهي الرابعة والمهمة بالنسبة لنا في “المتخصصة” هي إنعاش المؤسسات الصحية، وتحسين الخدمات الصحية المقدمة، ورفع الانتاجية للمواطنين، ما يؤدي إلى النماء الاقتصادي.

لكل شركة تأمين خدماتٌ تتميز بها عن غيرها.. فما الخدمات التي تميز “المتخصصة للتأمين الصحي”؟.

حقيقةً نحن لا نتميز بطبيعة خدماتنا عن خدمات الآخرين فحسب، بل نتميز بأننا الوحيدون الذين نقدم التأمين الصحي، حيث وأنه لا يوجد شركة يمنية تقدم التأمين الصحي إلا “المتخصصة للتأمين الصحي”º لأن الآخرين ــ كما أسلفت ــ وكلاء لشركات أجنبية، ونتحدى أن هناك قسماً في أية شركة تأمين متفرد اسمه قسم التأمين الصحي، وإن وجد فإنهم سوف يحاولون الاستفادة منا في هذا الجانب، لدينا الكثير من التعاون مع بعض الشركات في التأمين الصحي، بحيث نغطي هذا الجانب، لكن شركات لا زالت تخاف بصورة غير عادية التعاونَ معنا في التأمين الصحي، فضلاً عن تقديم هذا التأمين بشكل مباشر.

هل استطعتم إبرامَ عقود مع شركات محلية أو أجنبية في مجال التأمين الصحي؟.

بفضل الله استطعنا أن نبرمَ عقوداً مع شركات وجهات خاصة كثيرة، وقريباً إن شاء الله سوف تتجه جهات حكومية كبيرة جداً نحونا لإبرام عقود بهذا الشأن، وسوف تسمع عنها إن شاء الله.